كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

إننا صفحة إذا تمَّ سطر ... كتب المجد في الصحيفة سطرا
وإذا فل صارم من قرع الخطب ... لم تفتقد صوارم أخرى
نحن من أمة تخيرها الله ... فأضحت بالله أعظم قدرًا
ستظل الزمان تعلو وتعلو ... وتصوغ الجهاد حقًّا ونصرًا
وإذا ما اقتطفت يا دهر ريحانة ... آمالنا ... فلم نأت إصرًا
إن في الأفق نفحة من شذاها ... أرجا ينجلي بهاء ونشرًا
قد تموت الأشياء تفنى ولكن ... يخلد الحق ... فهو أعمق جذرًا1
كان لا بد من ذكر القصيدة كلها لأوضِّح أمرًا لا بد منه هنا، وهو أنني جعلت بعض القصائد في رثاء الفيصل من الشعر الإسلامي، ولم يدخل تحت باب الرثاء؛ لأنها انصرفت عن تصوير المرثي إلى تصوير ما قام به من حضارات إسلامية، وتثبيت لدعائم الشريعة ثم مواقفه العربية الإسلامية للدفاع عن الإسلام والعروبة وغيره، مما جعل مثل هذه القصائد الإسلامية العربية لا تدخل في باب الرثاء.
لكن هذه القصيدة "ذهول الحس" ليس بها من المرشحات السابقة التي تجعلها من الشعر الإسلامي إلّا في القليل من أبياتها، فهي أدخل في باب الرثاء، ولا ينقص ذلك من قيمتها الأدبية، فالرثاء ما زال غرضًا أدبيًّا نبيلًا وشريفًا وعدم دخولها في الشعر الإسلامي وانتسابها إلى غرض الرثاء يرجع لأسباب؛ أهمها: أنَّ الشاعر يرجع إلى ذاته، ويتمدد في وجدانه، ويهرب إلى الطبيعة هيامًا بها، ولا يخضع لموضوع في الشعر حتى يتقيد به، بل يسير على مذهبه من التحرر في التجديد، وهكذا يمضي الشاعر من أول بيت في القصيدة إلى آخر بيت فيها.
فالشاعر بهكلي يعبر عن مذهبه الأدبي فيها؛ لأنه لا يصور آثار الفيصل -طيب الله ثراه- في الأمة الإسلامية والعالم العربي، وما شيده من حضارة، وما حثَّ عليه من التمسك بقيم الإسلام وتشريعه، ولم يوضح مواقفه الشجاعة مع الأمة ضد أعداء العربية والإسلام.
لكن الشاعر صور أثر الصدمة العنيفة على نفسه التي رنَّت في أذنيه تحمل نبأ الاستشهاد، فأخذه "ذهول الحس"، وصرفه عن وصف الأمجاد إلى تصوير الآثار النفسية للنبأ الذي هزَّ وجدانه من أعماقه، وهزَّ وجدان العالم الإسلامي من حوله؛ بحيث أبدى الجميع آثار هذه الهزة العنيفة على النفس، فيصور مدى الأسى العميق الذي أصابها، ويصور اليد الطائشة التي أججت الأسى، ويصور القدر الذي فاجأ النفس بما لا ترغب مع الإيمان به كل الإيمان، في عشرين بيتًا.
__________
1 طيفان ... على نقطة الصفر: 73/ 82.

الصفحة 334