كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

ويخاطب وطنه فيقول:
أنا لا أزال شقي حبـ ...
__________
ك في كل واد
زعم العوازل أنني ... أسلو وأجنح للرقاد
كذبوا وحقك لست ... أقدر أن أعيش بلا فؤاد
ولسوف أصبر للمصا ... ئب والكوارث والبعاد
حتى أراك ممتعًا ... بالعزة ما بين البلاد1
موهبة شعرية صافية، وقريحة وقَّادة، تتجاوب مع أصداء الحياة والوطن، في معانٍ قوية، وأغراض حية، يسلكها في أسلوب قوي ناصع، وعبارات رشيقة محكمة، وديباجة مشرقة، ينساب الأسلوب عذبًا رقراقًا، غير متعثِّر في التقليد، وقيود الزخرف والزينة، فجاء شعره مطبوعًا قويًّا، اللهمَّ إلا في المقطوعة الأولى، حيث بدت العاطفة الشعرية فاترة غير جياشة، ولذلك كان الأسلوب قلقًا في مكانه، كما في البيت الأول والثالث، وقوله:
والعبقرية والحماسة والنهى ... صدق الذين بهن وصفوك
فهو ليس بشعر، وإنما هو من كلام عامة الناس، حينما يتناولونه في أحاديثهم العامية، ثم لا تجد انسجامًا في حرف الروي، بل قلق واضطراب.
والصبان شاعر مقِلّ في شعره، لم يجعل الشعر هدفه في حياته، فكان يقول القصيدة أو القصيدتين، والمقطوعة بعد المقطوعة، لكثرة أعماله، واهتمامه بشتَّى المجالات، ولكنه كان يعطي جهده الأكبر في الدعوة إلى إعداد الوجه المشرق الأدبي السعودي، لا العلم والفكر وحدهما المقصوران على الخلافات في رأي بين المذاهب الفقهية أو الحقائق التاريخية، والأدب والشعر لهما دورهما الكبير في صون اللغة وإشراقها، وتهذيب الشاعر، وتنمية الحسّ اللغوي والذوق الأدبي، وكان هذا هو الهدف من تأليف أول كتاب في الأدب الحديث، وهو "أدب الحجاز" فقسمه الصبان إلى قسمان: قسم للشعر، وقسم للنثر الأدبي.
والصبان يُعَدّ من الرواد في الأدب السعودي، وأوّل الداعين بالنهضة الأدبية، وتخليص الشعر من قيوده الثقيلة التي أذهبت قوته، وقطعت صلته بالشعر القوي في عصوره الذهبية، وحملت مقطوعاته الشعرية دعوة التجديد كما في المقطوعة الثانية هنا، فهو يحث إلى بناء أمة نابهة وشعب متيقظ وعالم متنور ومتحمس ليحقق أعظم النهضات، ويسمو إلى المجد والعلا، وكان في شعره القليل يمثل هذه النهضة الشعرية في العصر الحديث، فنجده أول من ينهض بالأدب، ويخلص الشعر من كبوته، ويجرده من أغلاله وأثقال الزينة، ويجدّد هدفه في تربية الأذواق،
__________
1 الأدب الحجازي: أحمد إبراهيم: 97، نهضة مصر - القاهرة - 1948م.

الصفحة 39