كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

ذكر الممات طوال الليل أرقني ... والخوف أزعجني والكرب آلمني
وعاذلي لم يزل جدًّا يؤنبني ... دع عنك عذلك لي يا من يعاذلني
لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني
إلى قوله:
ماذا ألوذ به في كشف مكربتي ... وأستجير به من كل معضلة؟
سواك يا من له ذلي ومسألتي ... وقد ترى يا إله الخلق مسألتي
فجد عليَّ فليس الخلق ينفعني
واغفر لي الذنب واصفح عن خطا زللي ... واستر على بستر مسبل عجل
وبدل السوء بالإحسان في العمل ... وامنن على بعفو منك يا أملي
وجد على مذنب بالذنب مرتهن
فليس للعبد من يعفو برحمته ... ومن يجيب المضطر برأفته؟
سواك يا سامع الشاكي لفاقته ... ثم الصلاة على الهادي وعترته
والصحب ما غرد القمري على فنن1
وهي طويلة اكتفيت بمطلعها ونهايتها، وتبنى في قالبها الموسيقى على نظام المخمسات، فتمثل كل مقطوعة خمس شطرات، يتفق حرف الروي في الأربع من كل مقطوعة، ويتفق في الشطرة الخامسة في جميع المقطوعات حتى نهاية القصيدة، وفي هذا القالب تنوع في الإيقاع والموسيقى، وتطور في نظام الموشحات الأندلسية، مع الاحتفاظ بالبحر العروضي في القصيدة كلها.
سيطرت الحقيقة على القصيدة في التصوير الأدبي بما يتناسب مع الغرض وهو الشعر الإسلامي، أما الصور الخيالية فلا تهز النفس ولا تحرك المشاعر، فهي كتل جامدة، وصور تقليدية مجردة من الحيوية، وعلى سبيل المثال قوله: "الخوف أزعجني والكرب آلمني" فلا نشعر بحيوية الخيال والمشاعر الفياضة، وغاية الخيال تظهر حينما تجري الاستعارة بالكناية فتقول: شبه الخوف بإنسان مزعج، والكرب بإنسان مؤلم، ثم حذف المشبه به، وبقيت صفة من صفاته، وهي الإزعاج والألم على سبيل الاستعارة بالكناية، وليس هذا في خيال شعر يصلح للتصوير الأدبي، بل الصورة هنا إلى الحقيقة أقرب.
ولا يغض هذا من قدر الشاعر، وإنما قد يرفعه، وقد يسمو به؛ لأن الغرض الذي ينظمه الشاعر هو شعر إسلامي، يقوم في مضمونه على الحقائق التي لا يشتط بها الخيال، ويعتمد
__________
1 وهي قصيدة طويلة تفردت وحدها من بين الديوان بهذا القالب الموسيقي، نفحات من عسير: ص139، 142.

الصفحة 55