كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

وتمضي القصيدة على هذا النحو حتى نهايتها من التكلف والتصنع الذي يظهر في أسماء بعض كتب الفقه للمذهب الشافعي، ليسلكها في نظم الأبيات قسرًا، كما تسود طريقة التعبير في النثر على القصيدة لا طريقة الشعر فيها، مما كان لها أثر على الألفاظ الأخرى في الأبيات، فنشعر أن في الأسلوب قلقًا واضطرابًا، كما في قول الشاعر: "مقدم الذكر شيخي قدوتي [حسن] ".
والمصطلحات العلمية واللغوية هي آفة الشعر، تذهب برونقه، وتطفئ ديباجته المشرقة، وتجمد حيويته النابضة، كما في قوله: "علامة- شرف الإسلام- مجتها- مدرس ... إلخ البيت"، فهذه المصطلحات "علامة - ومجتهد- ومدرس" أفسدت الشعر وجعلته نثرا أدبيا، وكذلك الأمر في أسماء الكتب، التي أصر على ذكرها وهي: "النواوي - التحفة - الأنوار - الحسن - الإرشاد" وغيرها، أخمدت حرارة المشاعر وثورة الانفعال، وتعثرت العاطفة، فتصلبت الأبيات في جمود وتحجر، وفتور وضعف في المشاعر.
وهذا يدل على أن شعر آل الحفظي في ديوانهم لا يخلو من هنات العصر، من التكلف والتصنع، وإن كان قليلا بالنسبة لحسنات شعرهم بصفة عامة، وليس هذا عيبا يؤخذ عليهم، فهو أمر واقع حيث كانوا يمثلون بشعرهم مرحلة تاريخية، لا بدَّ منها في تطور الشعر السعودي في الجنوب، لينهض الشعر بعدها في المرحلة المتطورة التالية، التي سنراها في تطور المذاهب الأدبية الحديثة من بعدهم.
رابعا: الشعر الوطني
الشيخ أحمد بن عبد الخالق بن إبراهيم بن أحمد الحفظي الأول، ويطلق عليه أحمد الثاني، ولد بقرية عثالف مستوطن أبيه، ثم سافر إلى "أبي عريش" ليتلقى العلم على مشايخه من آل عاكش، ثم عاد إلى بلده لكي يساعد والده في القضاء والإفتاء، حتى قبض عليه الأتراك مع صحبه، وأرسلوه إلى استانبول لمدة ست سنوات، حتى عاد سنة 1293هـ، ولكنه ظل يدعو إلى الوحدة الإسلامية، فاعتقلوا ابنه عبد القادر تنكيلا بوالده، لكنهم أفرجوا عنه بعد ذلك، وظل الشيخ أحمد في عثالف احدى قري وادي حلى برجال ألمع حتى مات سنة 1317هـ عن 67 عامًا، ومن مؤلفاته: "فتح المنال" في تفسير القرآن الكريم، وله رسائل في الفقه والأدب، أما شعره فهو كثير، كتب فيه بضعة أجزاء تحتاج إلى النشر1.
والشعر الوطني يكاد يكون مقصورًا على الشيخ أحمد الحفظي الثاني المترجم له سابقًا،
__________
1 نفحات من عسير: ص156.

الصفحة 58