كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

لما وقفت بكل ثقلك في الوغى ... ترمي العدو وتسحق الغر الردي
وتصول بالرأي الحصيف موحدًا ... شمل العروبة في الصراع المجهد
وتهز أعمد السياسة معلنًا ... أن العروبة لن تلين لمعتد
الحق غايتنا ومهما أجلبوا ... فالحق يهزم كل طاغ مفسد
والزيت في يدنا وكل محرك ... للشر يشذح رأسه كالأسود
فتجاوبت بصداك آفاق النهى ... في كل معترك هناك ومشهد
فاسلم فإنك للعروبة فيصل ... هزت به الدنيا أجل مهند1
حتى الرثاء لتلك الشخصية الفذة في عالمنا المعاصر، والنموذج الرائع في تاريخنا الإسلامي، ينبغي ألا يكون رثاء شخصيًّا؛ لأن هذا النموذج ذات في الأمة الإسلامية كلها، لذلك لا يصح أن نرثيه لشخصه، وإنما نرثي الأمة الإسلامية كلها، ومن هنا كان منطقيًّا وواقعيًّا أن يكون الرثاء لشهيد الإسلام والعروبة - "فيصل" طيب الله ثراه - شعرًا إسلاميًّا، لا رثاء شخصيًّا فرديًّا، يقول السنوسي في قصيدته "وا فيصلاه":
رن في سمعي فكذبت صداه ... نبأ روع قلبي وشجاه
"فيصل" مات ولكن ذكره ... يغمر العالم والدنيا شذاه
مات جسمًا وتوارى هيكلًا ... وهو حي في قلوب وشفاه
إلى قوله:
في أياديه التي خلدها ... تغمر الشعب بفيض من نداه
ومساعيه التي قلدها ... أمة الإسلام في أقصى مداه
ومعانيه التي رددها ... لبني العرب جميعا في حداه
ومباديه التي أعلنها ... عالي الصوت فخافتها عداه
قطب أقطاب العلى كيف انتهى ... عجبًا هل يقتل الابن أباه
لم يغب عنا مليك صنعت ... يده التاريخ فينا وبناه
يا عظيم الشرق يا مصباحه ... في لياليه ويا فجر دجاه
كيف ضم القبر طودا شامخا ... كيف بالله طواه واحتواه
حفظ الله علينا "خالدا" ... ورعى "فهدا" أخاه وحماه
وسقى الرحمن قبرًا طاهرا ... مرغت فيه أنوف وجباه2
وبهذا يكون هذا الاتجاه جديدًا في بنائه وأفكاره ومعانيه والغاية منه.
__________
1 الينابيع: 55/ 58.
2 الينابيع: 59/ 62.

الصفحة 92