كتاب المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

4- فتنة الحبيب تقربه إليها، فيزداد وجدًا على وجد، إلَّا أن صوتها الإنساني يوقظه إلى ما يجب عليه من حقوق الحب الطاهر، فيعود ثانية إلى لهيب الوجدان، ليناجيها بالبخل على كبد ذاب حبًّا، ونفس انهارت وجدًا، فرؤيتها نعيم، لكنه يترك وهنًا في الجسد، وحيرة في العقل، وعينًا تسبح في الدموع، وتذهب في الغيوم، وأصبح من الحيرة في حياة استوى فيها الظلام والنور، والماء والنار.
5- لا تجد في القصيدة لفظًا فاحشًا، ولا عبارة بذيئة، ولا تصويرًا وضيعًا، ولا شهرة محرمة، ولا نزوة حيوانية، وإنما غاية عنده وجدان يغلي وشعور فياض، وتأمل وحيرة، وسياج من التشريع والخلق يمنعه إلّا بحقه، ولا عيب في حب الشاعر، فهذا أمر فطري، ولكن العيب والأسى في اتخاذ الحب طريقًًا لا يرضى عنه صاحبه، ولا ترضاه القيم الفاضلة، ويخضع له معذبًا تائهًا على وجه الأرض.
وترى السنوسي إذا أسرف على نفسه في الغزل يكون محتفظًا في تصويره، يقول في"حسناء الريف":
ريفية تهتز أعطافها ... خصوبة من مرح وارتياح
ترعرعت بين ظلال الربى ... ونسمة الوادي وعزف الرياح
تحية مني إلى "غادة" ... هيفاء لفاء كعاب رداح
في الشمس والظل نمت واستوت ... فهي مثال للجمال الصراح
تختال من دل ومن صبوة ... في حسنها النشوان من غير راحل
لا ما رأت عيني على ما رأت ... من الحسان الرائعات الصباح
مثلًا لها في حسنها غادة ... باح لها الحسن بما لا يباح
عينان ما عين المها والظبا ... وقامة ما البان؟ ماذا الرماح؟
وغرة من غير "تسريحة" ... تربع السحر بها واستراح1
وهذه القصيدة هي الفريدة من نوعها في شعر السنوسي، قصدت ذكرها حتى لا أترك احتمالًا من بعدي، وقد اجتمع فيها من التصوير الحسي للمرأة ما لم يجتمع في غيرها من شعره الوجداني، ومع ذلك تجد أن التصوير فيها لا يعدو منهج الشاعر في غزله من التحفظ وطرح الفحش والابتذال المعروف في شعر الغزل الماجن، وعلى سبيل المثال: فاهتزاز الأعطاف لا الردف، وخصوبتها لا عن مجون وخلاعة وفحش، بل عن طبيعة أصيلة نشأت عليها،
__________
1 أزاهير: 38/ 40.

الصفحة 99