كتاب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه

الطائفة الثانية: من يثبت الرؤية بإطلاق فيزعم أن الله يرى في الدنيا عياناً، كما يرى في الآخرة عياناً. وهذا يقول به بعض المتصوفة من الاتحادية والحلولية.
فأما الاتحادية أهل وحدة الوجود فهم الذين لا يميزون الخالق بصفات تميزه عن المخلوق، ويقولون بأن وجود الخالق هو وجود المخلوق. فعلى سبيل المثال هم يقولون بأن الله هو المتكلم بكل ما يوجد من الكلام، وفي ذلك يقول ابن عربي:
ألا كل قول في الوجود كلامه ... سواء علينا نثره ونظامه
يعم به أسماع كل مكون ... فمنه إليه بدؤه وختامه1
فيزعمون أنه هو المتكلم على لسان كل قائل. ولا فرق عندهم بين قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات 24] {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص 28] وبين القول الذي يسمعه موسى {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه 14] ، بل يقولون: إنه الناطق في كل شيء، فلا يتكلم إلا هو، ولا يسمع إلا هو، حتى قول مسيلمة الكذاب، والدجال، وفرعون، يصرحون بأن أقوالهم هي قوله"2.
وهذا قول أصحاب وحدة الوجود كابن عربي، وابن سبعين، وابن الفارض، والعفيف التلمساني.
وأصل مذهبهم: أن كل واحد من وجود الحق، وثبوت الخلق يساوى الآخر، ويفتقر إليه، وفي هذا يقول ابن عربي:
فيعبدني وأعبده ... ويحمدني وأحمده3

الصفحة 85