كتاب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه

وهؤلاء الذين يزعم أحدهم أنه يراه بعيني رأسه في الدنيا هم ضلال كما تقدم، فإن ضموا إلى ذلك أنهم يرونه في بعض الأشخاص، إما بعض الصالحين، أو بعض المردان، أو بعض الملوك أو غيرهم، عظم ضلالهم وكفرهم، وكانوا حينئذ أضل من النصارى الذين يزعمون أنهم رأوه في صورة عيسى بن مريم.
بل هم أضل من أتباع الدجال الذي يكون في آخر الزمان، ويقول للناس أنا ربكم.
فهذا - أي الدجال - ادعى الربوبية وأتى بشبهات فتن بها الخلق، حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، واعلموا أن أحدًا منكم لن يرى ربه حتى يموت"1، فذكر لهم علامتان ظاهرتين يعرفهما جميع الناس، لعلمه صلى الله عليه وسلم بأن من الناس من يضل فيُجَوِّز أن يرى ربه في الدنيا في صورة البشر، كهؤلاء الضلال الذين يعتقدون ذلك، وهؤلاء قد يسمون (الحلولية) و (الاتحادية) "2.
فهؤلاء الضلال الكفار الذين يزعم أحدهم أنه يرى ربه بعينه، وربما زعم أنه جالسه وحادثه أو ضاجعه، وربما يعين أحدهم آدميًا إما شخصًا، أو صبيًا، أو غير ذلك، ويزعم أنه كلمهم. يستتابون، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم وكانوا كفارًا، إذ هم أكفر من اليهود والنصارى الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، فإن المسيح رسول كريم وجيه عند الله في الدنيا والآخرة ومن المقربين، فإذا كان الذين قالوا: إنه هو الله، وإنه اتحد به أو حل فيه قد كفرهم وعظم كفرهم، بل الذين قالوا أنه اتخذ ولدًا حتى قال {وَقَالُوا
__________
1 سبق تخريجه في بداية البحث.
2 مجموع الفتاوى 3/391-392.

الصفحة 97