كتاب أصول الإيمان لمحمد بن عبد الوهاب - ت الجوابرة

105 - وفيهما عن أبي موسى - رضي اللَّه عنه - قال: قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم:
«مثل ما بعثني اللَّه به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا؛ فكانت منها طائفة طيبة قبلتِ الماء فأنبتتِ الكلأ والعشْب الكثير، وكانت منها أجادِب أمسكت الماء فنفع اللَّه بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ؛ فذلك مثل من فقِه في دين اللَّه ونفعه ما بعثني اللَّه به فعلِم وعلم، ومثل من لم يرفعْ بذلك رأْسا ولم يقبل هدي اللَّه الذي أرسلت بهِ» .
ـــــــــــــــــــــــــ
105 - رواه البخاري كتاب العلم (1 / 175) (رقم: 79) ، ومسلم كتاب الفضائل (4 / 1787) (رقم: 2282) .
قال البغوي رحمه اللَّه:
«فكانت منها ثغبة» فالثغبة: مستنقع الماء في الجبال والصخور وجمعها ثغبان.
«كانت منها أجادِب» أجادِب: صِلاب الأرض التي تمسك الماء، فلا يسرع إليه النضوب، وقال الأصمعي: الأجادب من الأرض ما لم تنبت الكلأ فهي جرداء بارزة لا يسترها النبات.
فالنبي صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم جعل مثل العالم كمثل المطر، ومثل قلوب الناس فيه كمثل الأرض في قبول الماء، فشبه من تحمل العلم والحديث وتفقه فيه بالأرض الطبية أصابها المطر فتنبت، وانتفع بها الناس، وشبه من تحمله ولم يتفقه بالأرض الصلبة التي لا تنبت ولكنها تمسك الماء فيأخذه الناس وينتفعون به، وشبه من لم يفهم ولم يحمل بالقيعان التي لا تنبت ولا تمسك الماء فهو الذي لا خير فيه.
قال النووي (15 / 47 - 48) :
أما معاني الحديث ومقصوده فهو تمثيل الهدى الذي جاء به صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم بالغيث، ومعناه: أن الأرض ثلاثة أنواع وكذلك الناس:
فالنوع الأول من الأرض: ينتفع بالمطر فيحيا بعد أن كان ميتا، وينبت الكلأ فتنتفع بها الناس والدواب والزرع وغيرها، وكذا النوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيا قلبه ويعمل به ويعلمه غيره فينتفع وينفع.
والنوع الثاني من الأرض: ما لا تقبل الانتفاع في نفسها لكنْ فيها فائدة وهي إمساك الماء لغيرها، فينتفع بها الناس والدواب، وكذا النوع الثاني من الناس لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أفهام ثاقبة ولا رسوخ لهم في العقل يستنبطون به المعاني والأحكام وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به، فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم للنفع والانتفاع فيأخذه منهم فينتفع به فهؤلاء نفعوا بما بلغهم.
والنوع الثالث من الأرض: السباخ التي لا تنبت ونحوها، فهي لا تنتفع بالماء ولا تمسكه لينتفع به غيرها، وكذا النوع الثالث من الناس ليست لهم قلوب حافظة ولا أفهام واعية فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به، ولا يحفظونه لنفع غيرهم.

الصفحة 141