كتاب المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران

وَمِنْهَا أَنه أثبت لله تَعَالَى علوما حَادِثَة لَا فِي مَحل قَالَ لَا يجوز أَن يعلم الشَّيْء قبل خلقه لِأَنَّهُ لَو علم ثمَّ خلق أفيبقى علمه على مَا كَانَ أَو لم يبْق فَإِن بَقِي فَهُوَ جهل فَإِن الْعلم بِأَن سيوجد غير الْعلم بِأَن قد وجد وَإِن لم يبْق فقد تغير والمتغير مَخْلُوق لَيْسَ بقديم وَوَافَقَ فِي هَذَا مَذْهَب هِشَام بن الحكم قَالَ وَإِذا ثَبت حُدُوث الْعلم فَلَيْسَ يَخْلُو إِمَّا أَن يحدث فِي ذَاته تَعَالَى وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى التَّغَيُّر فِي ذَاته وَأَن يكون محلا للحوادث وَإِمَّا أَن يحدث فِي مَحل فَيكون الْمحل مَوْصُوفا بِهِ لَا الْبَارِي تَعَالَى فَتعين أَنه لَا مَحل لَهُ فَأثْبت علوما حَادِثَة بِعَدَد المعلومات الْمَوْجُودَة وَمِنْهَا قَوْله فِي الْقُدْرَة الْحَادِثَة إِن الْإِنْسَان لَيْسَ يقدر على شَيْء وَلَا يُوصف بالاستطاعة وَإِنَّمَا هُوَ مجبور فِي أَفعاله لَا قدرَة لَهُ وَلَا إِرَادَة وَلَا اخْتِيَار وَإِنَّمَا يخلق الله تَعَالَى الْأَفْعَال فِيهِ على حسب مَا يخلق فِي سَائِر الجمادات وينسب إِلَيْهِ الْأَفْعَال مجَازًا كَمَا ينْسب إِلَى الجمادات كَمَا يَقُول أثمرت الشَّجَرَة وجري المَاء وتحرك الْحجر وطلعت الشَّمْس وغربت وتغيمت السَّمَاء وأمطرت وأزهرت الأَرْض وأنبتت إِلَى غير ذَلِك وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب جبر كَمَا أَن الْأَفْعَال جبر قَالَ وَإِذا ثَبت الْجَبْر فالتكليف أَيْضا كَانَ جبرا
وَمِنْهَا قَوْله إِن حركات أهل الْجنَّة وَالنَّار تَنْقَطِع وَالْجنَّة وَالنَّار تفنيان بعد دُخُول أَهلهَا فِيهَا وتلذذ أهل الْجنَّة بنعيمها وتألم أهل النَّار بجحيمها إِذْ لَا يتَصَوَّر حركات لَا تتناهى آخرا كَمَا لَا تتَصَوَّر حركات لَا تتناهى أَولا وَحمل قَوْله تَعَالَى {خَالِدِينَ فِيهَا} هود 107 على التَّأْكِيد وَالْمُبَالغَة دون الْحَقِيقَة فِي التخليد كَمَا يُقَال خلد ملك فلَان وَاسْتشْهدَ على الِانْقِطَاع بقوله تَعَالَى {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} هود 107 فالآية

الصفحة 60