كتاب الحجة في القراءات السبع

وتبدل، وتطرح. فهذه أربعة أوجه، وورد القرآن بجميعها. ومنه قراءة «الصّابيون» «1» «والخاطيون» «2». والحجة له تأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: فِي طُغْيانِهِمْ «3». يقرأ بالإمالة، والتفخيم، وبينهما. فالحجّة لمن أمال:
أن النون مكسورة للخفض فقربت الياء منهما «4» ليكون اللفظ من وجه واحد. وسهل ذلك عليه لأن الطغيان هاهنا مصدر كالطّغوى «5» في قوله تعالى: بِطَغْواها «6»، فلما اتفقا في المعنى ساوى بينهما في الإمالة. والحجة لمن فتح: أنه أتى بالكلام على أصل ما بني عليه.
والحجة لمن قرأ بين ذلك: أنه عدل بين اللغتين فأخذ بأحسن اللفظين. فأمّا إمالة (الكسائي) «7» رحمه الله قوله تعالى: فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ «8». فإن كان أماله سماعا من العرب فالسؤال عنه ويل، وإن كان أماله قياسا فقد وهم، لأن ألف الجمع في أمثال هذا لا تمال، ويلزمه على قياسه أن يميل قوله: أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ «9»، وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ «10»، وإمالة هذا محال فإن قيل: فقد أمال غيره: قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ «11» فقل: قد عرّفناك رغبة العرب
__________
(1) يقرأ بياء مضمومة، ووجهة أنه أبدل الهمزة ياء لانكسار ما قبلها، ولم يحذفها لتدل على أن أصلها حرف يثبت آية: 69 من سورة: المائدة. انظر: (إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات 1: 221.
(2) الحاقة: 37.
(3) البقرة: 15.
(4) أي من الألف والنون. قال أبو علي الفارسي في هذا الموضع: وحجة من أمال «الطغيان» هي أن الألف قد اكتنفها شيئان، كل واحد منهما يوجب الإمالة، وهي الياء التي قبلها، والكسرة التي بعدها، فإذا كان كل واحد منهما على انفراده يوجب الإمالة، فإذا اجتمعا كانا أوجب للإمالة.
فإن قلت: إن أول الكلمة حرف مستعل مضموم، وكل واحد من المستعلى والضم بمنع الإمالة، فهلا منعاها هنا أيضا؟ فالقول: إن المستعلى لما جاء الياء بعده وتراخي عن الألف بحرفين لم يمنع الإمالة. ألا ترى قوما أمالوا:
نحو المناشيط لتراخي المستعلي عن الألف مع أن المستعلي بعد الألف، فإذا تراخى في طغيان عنهما بحرفين مع أنه قبل الألف، كان أجدر بالإمالة. (الحجة لأبي علي الفارسي: ورقة: 131).
(5) قال أبو علي الفارسي: «فالواو مبدلة من الياء، لأنه اسم مثل» التقوى والدعوى لأن لغة التنزيل الياء بدلالة «الطغيان» المذكور في القرآن في مواضع، «ورقة 131 من كتاب الحجة».
(6) الشمس:
(7) انظر: 1
(8) البقرة: 9
(9) البقرة: 13
(10) الإنسان: 15
(11) التوبة: 94

الصفحة 70