كتاب الحجة في القراءات السبع

بين الواو والعين، وبطرحها. فالحجة لمن أثبت الألف: أن الله تعالى وعد موسى عليه السّلام وعدا فقبله، فصار شريكا فيه، فجاء الفعل ب «فاعلت» لأنه بنيّة فعل الاثنين. فإذا جاء للواحد فهو قليل. والحجة لمن طرح الألف: أن يقول: الله هو المنفرد بالوعد والوعيد، وإنما تكون المواعدة بين المخلوقين، فلما انفرد الله تعالى بذلك كان فعلت فيه أولى من فاعلت.
قوله تعالى: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ «1». تقرأ بالإظهار والإدغام. فالحجّة لمن أظهر: أنه أتى بالكلمة على أصلها، واغتنم الثواب على كلّ حرف منها. والحجّة لمن أدغم: أنّ الظاء والثاء، والذال مخرجهنّ من طرف اللسان، وأطراف الثّنايا العلى «2» فوجب الإدغام لمقاربة المخرج والمجانسة.
فإن قيل: فيلزم من أدغم: (اتخذتم) أن يدغم لَبِثْتُمْ «3» فقل: إنّ مدغم (اتخذتم) ومظهر «لبثتم» أتى باللغتين معا ليعلم من قرأ بهما أنه غير خارج عن الصواب.
قوله تعالى: إِلى بارِئِكُمْ «4». رواه (اليزيدي) «5» عن أبي عمرو «6» بإسكان الهمزة فيه وفي قوله: يَأْمُرُكُمْ «7»، وَيَنْصُرْكُمْ «8»، ويَلْعَنُهُمُ «9»، ويَجْمَعُكُمْ «10» وأَسْلِحَتِكُمْ «11» يسكّن ذلك كله كراهية لتوالي الحركات، واستشهد على ذلك بقول امرئ القيس «12»:
__________
(1) البقرة: 51.
(2) جمع عليا أنثى أفعل مثل: صغرى وصغر، وكبرى وكبر.
(3) الإسراء: 52.
(4) البقرة: 54.
(5) محمد بن يحيى بن المبارك، المعروف باليزيدي، كان ثقة علامة فصيحا متواضعا إماما في اللغة والآداب حتى قيل: أملي عشرة آلاف ورقة من صدره عن أبي عمرو خاصة غير ما أخذه عن الخليل وغيره، وتوفي 202 هـ عن أربع وستين سنة (النشر 1: 134).
(6) انظر ص: 61.
(7) البقرة: 67
(8) آل عمران: 160
(9) البقرة: 159
(10) الجاثية: 26.
(11) النساء: 102.
(12) هو امرؤ القيس بن جحر بن عمرو الكندي وهو من أهل نجد من الطبقة الأولى. (الشعر والشعراء: 31، مطبعة مصطفى محمد، طبعة ثانية).

الصفحة 77