كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

مخلوقاً قبل خلق السموات والأرض، وهو أول ما خلق من هذا العالم، وخلقه بعد العرش كما دلت عليه النصوص، وهو قول جمهور السلف، كما ذكرت أقوال السلف في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا: بيان ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة.
والدليل على هذا القول الثاني وجوه:
(أحدها) ان قول أهل اليمن: " جئناك لنسألك عن أول هذا الأمر "، إما أن يكون الأمر المشار إليه هذا العالم، أو جنس المخلوقات، فإن كان المراد هو الأول كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أجابهم؛ لأنه أخبرهم عن أول خلق هذا العالم، وإن كان المراد الثاني لم يكن قد أجابهم؛ لأنه لم يذكر أول الخلق مطلقاً؛ بل قال: " كان الله ولا شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض "، فلم يذكر إلا خلق السموات والأرض، لم يذكر خلق العرش، مع أن العرش مخلوق أيضاً، فإنه يقول: " وهو رب العرش العظيم " وهو خالق كل شيء: العرش وغيره، ورب كل شيء: العرش وغيره. وفي حديث أبي رزين قد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلق العرش. وأما في حديث عمران فلم يخبر بخلقه، بل أخبر بخلق السموات والأرض، فعلم أنه أخبر بأول خلق هذا العالم لا بأول الخلق مطلقاً.
وإذا كان إنما أجابهم بهذا علم انهم إنما سألوه عن هذا، لم يسألوه عن أول الخلق مطلقاً، فإنه لا يجوز أن يكون أجابهم عما لم يسألوه عنه ولم يجبهم عما سألوا عنه، بل هو - صلى الله عليه وسلم - منزه عن ذلك، مع أن لفظه إنما يدل على هذا؛ لا يدل على ذكره أول الخلق وإخباره بخلق السموات والأرض بعد أن كان عرشه على الماء

الصفحة 106