كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

يقصد به الإخبار عن ترتيب بعض المخلوقات على بعض، فإنهم لم يسألوه عن مجرد الترتيب. وإنما سألوه عن أول هذا الأمر، فعلم أنهم سألوه عن مبدأ خلق هذا العالم فأخبرهم بذلك، كما نطق في أولها في أول الأمر "خلق الله السموات والأرض "وبعضهم يشرحها في البدء أو في الابتداء خلق الله السموات والأرض.
والمقصود أن فيها الإخبار بابتداء خلق السموات والأرض. وأنه كان الماء غامراً للأرض، وكانت الريح تهب على الماء، فأخبر أنه حينئذ كان هذا ماء وهواء وترابا، وأخبر في القرآن العظيم أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء، وفي الآية الأخرى: {ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض: ائتيا طوعاً أو كرهاً، قالتا: أتينا طائعين} ، وقد جاءت الآثار عن السلف بأن السماء خلقت من بخار الماء وهو الدخان.
والمقصود هنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجابهم عما سألوه عنه ولم يذكر إلا ابتداء خلق السموات والأرض، فدل على أن قولهم: " جئنا لنسألك عن أول هذا الأمر " كان مرادهم خلق هذا العالم، والله أعلم.
(الوجه الثاني) : أن قولهم: " هذا الأمر " إشارة إلى حاضر موجود، والأمر يراد به المصدر، ويراد به المفعول به وهو المأمور الذي كونه الله بأمره، وهذا مرادهم، فإن الذي هو قوله: كن ليس مشهوداً مشاراً إليه، بل المشهود المشار إليه هذا المأمور به، قال تعالى: {وكان أمر الله قدراً مقدوراً} ، وقال تعالى: {أتي أمر الله} ، ونظائره متعددة، ولو سألوه عن أول الخلق مطلقاً لم يشيروا إليه بهذا؛ فإن ذاك لم يشهدوه فلا يشيرون إليه بهذا، بل لم يعلموه أيضاً؛ فإن

الصفحة 107