كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

والمجلس كان واحداً، وسؤالهم وجوابه كان في ذلك المجلس، وعمران الذي روى الحديث لم يقم منه حين انقضى المجلس؛ بل قام لما أخبر بذهاب راحلته قبل فراغ المجلس، وهو المخبر بلفظ الرسول، فدل على أنه إنما قال أحد "أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء "، وهذا موافق ومفسر لقوله تعالى: {هو الأول والآخر، والظاهر والباطن} وإذا ثبت في هذا الحديث [القبل] فقد ثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قاله، واللفظان الآخران لم يثبت واحد منهما أبداً، وكان أكثر أهل الحديث إنما يروونه بلفظ القبل: " كان الله ولا شيء قبله "، مثل: الحميدي (¬1) والبغوي (¬2) وابن الأثير (¬3) وغيرهم. (¬4) .
وإذا كان إنما قال: " كان الله ولم يكن شيء قبله " لم يكن في هذا اللفظ تعرض لابتداء الحوادث ولا لأول مخلوق.
(الوجه الرابع) : أنه قال فيه: " كان الله ولم يكن شيء قبله، أو معه، أو غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء " فأخبر عن هذه الثلاثة بلفظ الواو، لم يذكر في شيء منها ثم، وإنما جاء ثم في قوله: " خلق السموات والأرض " وبعض الرواة ذكر فيه خلق السموات والأرض بثم، وبعضهم ذكرها بالواو.
¬_________
(¬1) في الجمع بين الصحيحين (1/353) .
(¬2) في مصابيح السنة (4/16) .
(¬3) في جامع الأصول (4/15) .
(¬4) كأبي حفص الموصلي في الجمع بين الصحيحين (1/261) .

الصفحة 109