كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

فأما الجمل الثلاث المتقدمة فالرواة متفقون على انه ذكرها بلفظ الواو، ومعلوم ان لفظ الواو لا يفيد الترتيب على الصحيح الذي عليه الجمهور، فلا يفيد الإخبار بتقديم بعض ذلك على بعض، وإن قدر أن الترتيب مقصود، إما من ترتيب الذكر لكونه قدم بعض ذلك على بعض، واما من الواو عند من يقول به، فإنما فيه تقديم كونه على كون العرش على الماء، وتقديم كون العرش على الماء على كتابته في الذكر كل شيء، وتقديم كتابته في الذكر كل شيء على تقديم خلق السموات والأرض، وليس في هذا ذكر أول المخلوقات مطلقاً، بل ولا فيه الإخبار بخلق العرش والماء، وإن كان ذلك كله مخلوقاً كما أخبر به في مواضع أخر، لكن في جواب أهل اليمن إنما كان مقصوده إخباره إياهم عن بدء خلق السموات والأرض وما بينهما، وهي المخلوقات التي خلقت في ستة أيام لا بابتداء ما خلقه الله قبل ذلك.
(الوجه الخامس) أنه ذكر تلك الأشياء بما يدل على كونها ووجودها ولم يتعرض لابتداء خلقها، وذكر السموات والأرض بما يدل على خلقها، وسواء كان قوله: " وخلق السموات والأرض " أو " ثم خلق السموات والأرض " فعلى التقديرين أخبر بخلق ذلك، وكل مخلوق محدث كائن بعد ان لم يكن، وإن كان قد خلق من مادة، كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: " خلق الله الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ".
فإن كان لفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - " ثم خلق " فقد دل على ان خلق السموات والأرض بعد ما تقدم ذكره من كون عرشه على الماء ومن كتابته في الذكر، وهذا اللفظ

الصفحة 110