كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

أولى بلفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لما فيه من تمام البيان وحصول المقصود بلفظة الترتيب، وإن كان لفظه الواو فقد دل سياق الكلام على أن مقصوده انه خلق السموات والأرض بعد ذلك؛ وكما دل على ذلك سائر النصوص؛ فإنه قد علم أنه لم يكن مقصوده الإخبار بخلق العرش ولا الماء؛ فضلاً عن أن يقصد أن خلق ذلك كان مقارناً لخلق السموات والأرض، وإذا لم يكن في اللفظ ما يدل على خلق ذلك إلا مقارنة خلقه لخلق السموات والأرض، - وقد أخبر عن خلق السموات مع كون ذلك - علم ان مقصوده خلق السموات والأرض حين كان العرش على الماء، كما أخبر بذلك في القرآن، وحينئذ يجب أن يكون العرش كان على الماء قبل خلق السموات والأرض، كما أخبر بذلك في الحديث الصحيح حيث قال: " قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء "، فأخبر أن هذا التقدير السابق لخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة حين كان عرشه على الماء.
(الوجه السادس) أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إما أن يكون قد قال: " كان ولم يكن قبله شيء "؛ واما أن يكون قد قال: " ولا شيء معه "؛ " او غيره ". فإن كان إنما قال اللفظ الأول لم يكن فيه تعرض لوجوده تعالى قبل جميع الحوادث، وإن كان قد قال الثاني أو الثالث فقوله: " ولم يكن شيء معه وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر ": اما أن يكون مراده انه حين كان لا شيء معه كان عرشه على الماء؛ أو كان بعد ذلك كان عرشه على الماء. فإن أراد الأول كان معناه لم يكن معه شيء من هذا الأمر المسؤول عنه وهو هذا العالم، ويكون المراد أنه كان الله قبل هذا العالم المشهود وكان عرشه على الماء.

الصفحة 111