كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

وقد جعلوا ذلك معنى حدوث العالم الذي هو أول مسائل أصول الدين عندهم فيبقى أصل الدين الذي هو دين الرسل عندهم، ليس عندهم ما يعلمون به ان الرسول قاله ولا في العقل ما يدل عليه، بل العقل والسمع يدل على خلافه ومن كان أصل دينه الذي هو عنده دين الله ورسوله لا يعلم أن الرسول جاء به كان من أضل الناس في دينه.
(الوجه الثاني عشر) أنهم لما اعتقدوا أن هذا هو دين الإسلام أخذوا يحتجون عليه بالحجج العقلية المعروفة لهم، وعمدتهم التي هي أعظم الحجج، مبناها على امتناع حوادث لا أول لها، وبها أثبتوا حدوث كل موصوف بصفة، وسموا ذلك إثباتا لحدوث الأجسام، فلزمهم على ذلك نفي صفات الرب عز وجل، وأنه ليس له علم ولا قدرة ولا كلام يقوم به، بل كلامه مخلوق منفصل عنه، وكذلك رضاه وغضبه، والتزموا على ذلك أن الله لا يرى في الآخرة، وأنه ليس فوق العرش، إلى غير ذلك من اللوازم التي نفوا بها ما أثبته الله ورسوله، وكان حقيقة قولهم تكذيباً لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتسلط أهل العقول على تلك الحجج التي لهم فبينوا فسادها.
وكان ذلك مما سلط الدهرية القائلين بقدم العالم لما علموا حقيقة قولهم وأدلتهم وبينوا فساده. ثم لما ظنوا أن هذا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - واعتقدوا أنه باطل، قالوا: ان الرسول لم يبين الحقائق سواء علمها أو لم يعلمها، وإنما خاطب الجمهور بما يخيل لهم ما ينتفعون به. فصار أولئك المتكلمون النفاة مخطئين في السمعيات والعقليات، وصار خطؤهم من أكبر أسباب تسلط الفلاسفة، لما ظن أولئك الفلاسفة الدهرية أنه ليس في هذا المطلوب إلا قولان: قول أولئك المتكلمين

الصفحة 115