كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

يشاء هو وصف الكمال الذي يليق به؛ وما سوى ذلك نقص يجب نفيه عنه، فإن كونه لم يكن قادراً ثم صار قادراً على الكلام أو الفعل مع أنه وصف له؛ فإنه يقتضي أنه كان ناقصاً عن صفة القدرة التي هي من لوازم ذاته، والتي هي من أظهر صفات الكمال، فهو ممتنع في العقل بالبرهان اليقيني، فإنه إذا لم يكن قادراً ثم صار قادراً فلابد من أمر جعله قادراً بعد أن لم يكن. فإذا لم يكن هناك إلا العدم المحض امتنع أن يصير قادراً بعد أن لم يكن. وكذلك يمتنع أن يصير عالماً بعد ان لم يكن قبل هذا، بخلاف الإنسان فإنه كان غير عالم ولا قادر ثم جعله غيره عالماً قادراً، وكذلك إذا قالوا: كان غير متكلم ثم صار متكلماً.
وهذا مما أورده الإمام أحمد على الجهمية؛ إذ جعلوه كان غير متكلم ثم صار متكلما، قالوا: كالإنسان، قال: فقد جمعتم بين تشبيه وكفر. وقد حكيت ألفاظه في غير هذا الموضع.
وإذا قال القائل: كان في الأزل قادراً على أن يخلق فيما لا يزال، كان هذا كلاماً متناقضاً، لأنه في الأزل عندهم لم يكن يمكنه أن يفعل، ومن لم يمكنه الفعل في الأزل امتنع أن يكون قادراً في الأزل؛ فإن الجمع بين كونه قادراً وبين كون المقدور ممتنعاً جمع بين الضدين، فإنه في حال امتناع الفعل لم يكن قادراً.
وأيضاً يكون الفعل ينتقل من كونه ممتنعاً إلى كونه ممكناً بغير سبب موجب يحدد ذلك وعدم ممتنع.
وأيضاً فما من حال يقدرها العقل إلا والفعل فيها ممكن وهو قادر، وإذا
قدر قبل ذلك شيئاً شاءه الله فالأمر كذلك، فلم يزل قادراً والفعل ممكن؛

الصفحة 125