كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

وليس لقدرته وتمكنه من الفعل أول، فلم يزل قادراً يمكنه أن يفعل، فلم يكن الفعل ممتنعاً عليه قط.
وأيضاً فانهم يزعمون أنه يمتنع في الأزل والأزل. ليس شيئاً محدوداً يقف عنده العقل، بل ما من غاية ينتهي إليها تقدير الفعل إلا والأزل قبل ذلك بلا غاية محدودة، حتى لو فرض وجود مدائن أضعاف مدائن الأرض في كل مدينة من الخردل ما يملؤها؛ وقدر أنه كلما مضت ألف ألف سنة فنيت خردلة فني الخردل كله والأزل لم ينته، ولو قدر أضعاف ذلك أضعافاً لا ينتهي. فما من وقت يقدر إلا والأزل قبل ذلك. وما من وقت صدر فيه الفعل إلا وقد كان قبل ذلك ممكناً وإذا كان ممكناً فما الموجب لتخصيص حال الفعل بالخلق دون ما قبل ذلك فيما لا يتناهى؟
وأيضاً فالأزل معناه: عدم الأولية، ليس الأزل شيئاً محدوداً، فقولنا: لم يزل قادراً بمنزلة قولنا: هو قادر دائماً، وكونه قادراً وصف دائم لا ابتداء له، فكذلك إذا قيل: لم يزل متكلماً إذا شاء ولم يزل يفعل ما شاء، يقتضي دوام كونه متكلماً وفاعلاً بمشيئته وقدرته، وإذا ظن الظان ان هذا يقتضي قدم شيء معه كان من فساد تصوره، فإنه إذا كان خالق كل شيء فكل ما سواه مسبوق بالعدم، فليس معه شيء قديم بقدمه. وإذا قيل: لم يزل يخلق كان معناه لم يزل يخلق مخلوقاً بعد مخلوق، كما لا يزال في الأبد يخلق مخلوقاً يعد مخلوق، ننفي ما ننفيه من الحوادث والحركات شيئاً بعد شيء، وليس في ذلك إلا وصفه بدوام الفعل، لا بأن معه مفعولاً من المفعولات بعينه.
وإن قدر أن نوعها لم يزل معه فهذه المعية لم ينفها شرع ولا عقل، بل هي من

الصفحة 126