كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

فهو قد فرق بمثاله بين الماضي والمستقبل، وذكر أن المستقبل بمنزلة ما إذا قال قائل: لا أعطيك درهماً، إلا أعطيتك بعده درهماً، وهذا كلام صحيح، والماضي بمنزلة أن يقول: لا أعطيك درهماً إلا أعطيتك قبله درهماً، وهذا كلام متناقض.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن هذا المثال ليس بمطابق؛ " لأن قوله: لا أعطيك: نفي للحاضر والمستقبل، ليس نفياً للماضي، فإذا قال: لا أعطيك هذه الساعة، أو بعدها شيئاً، إلا أعطيتك قبله شيئاً؛ اقتضى أن لا يحدث فعلاً الآن، حتى يحدث فعلاً في الزمن الماضي وهذا ممتنع أو بمنزلة أن يقول: لا أفعل حتى أفعل: وهذا جمع بين النقيضين وإنما مثاله أن يقول: ما أعطيتك درهماً إلا أعطيتك قبله درهماً؛ فكلاهما ماض.
فإذا قال القائل: ما يحدث شيء إلا ويحدث بعده شيء: كان مثاله أن يقول: ما حدث شيء إلا حدث قبله شيء لا يقول لا يحدث في المستقبل شيء إلا حدث قبله شيء. وكل ما له ابتداء وانتهاء؛ كعمر العبد: يمتنع أن يكون فيه عطاء لا انتهاء له، أو عطاء لا ابتداء له. وإنما الكلام فيما لم يزل ولا يزال "
فهذا المثال الذي ذكره الجويني على الفرق بين الماضي والمستقبل، ليس مطابقاً فلا يصح لأن يكون دليلاً على التفريق بينهما.
وقد قلبه شيخ الإسلام رحمه الله؛ فجعله حجة على قائله، وبين أن مطابقته لحوادث الماضي أبين. (¬1)
¬_________
(¬1) درء التعارض (2/359) ، (9/186) .

الصفحة 133