كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

فيعبر عن الله، كما يكون شيئاً فعبر لموسى. قلنا: فمن القائل {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين. فلنقصن عليهم بعلم} أليس الله هو الذي يسأل؟ قالوا هذا كله إنما يكون شيئاً فيعبر عن الله. فقلنا قد أعظمتم على الله الفرية حين زعمتم أنه لا يتكلم. فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله، لأن الأصنام لا تتكلم ولا تتحرك ولا تزول من مكان إلى مكان فلما ظهرت عليه الحجة قال: إن الله يتكلم ولكن كلامه مخلوق. قلنا: وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق، فقد شبهتم الله بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق. ففي مذهبكم قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق التكلم، وكذلك بنو آدم كانوا ولا يتكلمون حتى خلق الله لهم كلاماً. فقد جمعتم بين كفر وتشبيه، فتعالى الله عن هذه الصفة، بل نقول: إن الله لم يزل متكلماً إذا شاء، ولا تقول إنه كان ولا يتكلم حتى خلق الكلام. ولا نقول أنه قد كان ولا قدرة له حتى خلق لنفسه قدرة ولا نقول أنه قد كان ولا عظمة له حتى خلق لنفسه، عظمة، فقالت الجهمية لنا لما وصفنا الله بهذه الصفات: إن زعمتم أن الله ونوره والله وقدرته والله وعظمته فقد قلتم بقول النصارى حين زعمتم أن الله لم يزل ونوره ولم يزل وقدرته. قلنا لا نقول: عن الله لم يزل وقدرته ولم يزل ونوره ولكن نقول لم يزل بقدرته ونوره، لا متى قدر، ولا كيف قدر فقالوا: لا تكونن موحدين أبداً حتى تقولوا: قد كان الله ولا شيء. قلنا: نحن نقول قد كان الله ولا شيء. ولكن إذا قلنا: إن الله لم يزل بصفاته كلها. أليس إنما يصف إلهاً واحداً بجميع صفاته وضربنا لهم في ذلك مثلاً.
فقلنا: أخبرنا عن هذه النخلة، أليس لها جذع وكرب وليف

الصفحة 152