كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

فهو تعالى لم يزل ولا يزال يخلق شيئاً بعد شيء أو عالماً بعد عالم بلا أول لذلك في الماضي ولا آخر للمستقبل فإن عسر عليك فهم هذا فاعتبره بما لا يزال يخلق في الجنة من أنواع النعيم الذي لا ينتهي أبداً وما قدرته مستقبلاً قدره ماضياً جاعلاً ذلك في النوع لا في الأفراد واستعن على تصور المسألة ومحاجة المخالفين بهذا البراهين المسمدة من كلام شيخ الإسلام - رحمه الله -: -
1- أن الحادث المعين والحوادث المتناهية - ولو قدرت ألف ألف ألف حادث - سواء في الحكم بالنسبة إلى ما لا يتناهى (¬1)
وهذا يذكرك بما سبق الحديث عنه في أول المقدمة.
2- أن افتقار مجموع الحوادث إلى محدث هو مثل افتقار الواحد منها بل أعظم " فليس في تقدير حوادث لا تتناهى ما يوجب استغناءها عن القديم (¬2) ومن ثم فلا مشابهة بين القول بهذا وقول الفلاسفة الدهرية.
3- أنه ما من زمن يفترضه العقل حداً لابتداء الخلق إلا أمكنه أن يتصور قبله زماناً ابتدأ فيه الخلق فيكون هذا الزمان الآخر أولاً له وما تصوره العقل في الثاني يصدق عليه ما صدق على الأول وهكذا إلى ما نهاية (¬3) .
¬_________
= الأبد الدوام في المستقبل، والأزلي هو ما اول له، أو الذي لم يزل كائناً والأبدي هو الذي لا يزال كائناً، فإذا قيل إن صفاته تعالى وأفعاله أزلية فمعناه أنه لم يزل متصفاً، وإذا قيل إنه تكلم في الأزل أو خلق في الأزل لم يكن معناه أنه تكلم أخلق في ظرف مخصوص بل معناه أنه لا أول له وليس مسبوقاً بالعدم.
(¬1) النبوات: 60.
(¬2) المصدر السابق.
(¬3) النبوات:132.

الصفحة 16