كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

خلق الله له - إن صح أن يسمى ذلك خلقاً - بالبدء كما يقرر أكثر من مرة في محكم كتابه، والخلق في الآية عام يشمل الإنسان وغيره من سائر الموجودات والمخلوقات، فلا يوهمنك مبطل من ذوي السمادير الفلسفية بأن الآية تعني الإنسان وتلفت لنظر إلى كيفية خلق الله له من طين ثم من حمأ مسنون ثم من صلصال كالفخار فإن لفت النظر إلى خصوص نشأة الإنسان لا يحتاج إلى الأمر بالسير في الأرض وتأمل قصة الكائنات عموماً.
وما معنى اسم الله (الأول) في قوله عز وجل: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن} [الحديد: 3] وهل منا من لا يعلم أن أول اسم تفضيل أصله أوءل على وزن أفعل، وأنه على تقدير: أول من كذا أي أسبق في الوجود منه؟ فما هو هذا (الكذا) الذي يدل عليه اسم الله (الأول) ؟ وهل منا من يجهل
أن التقدير: أول من كل شيء، أي أسبق في الوجود من كل شيء؟ وهل من مسلم يجرؤ أن يقول: لا بل التقدير: أول من بعض الأشياء، أي باستثناء أصل الأشياء ونوعها الأول (¬1) ، فهي قديمة كقدمه وهي الأخرى جديرة أن تكتسب الاشتراك مع اسمه (الأول) !
ولا يقف العجب بنا عند تجاهل ابن تيمية (¬2) رحمه الله لهذه النصوص البينة في كتاب الله عز وجل، بل الأغرب من ذلك أنه يبذل جهداً شاقاً متكلفاً لينتقي
¬_________
(¬1) واضح أن البوطي لم يفهم قول ابن تيمية حيث يظن ان ابن تيمية يقول بقدم المادة مع ان ابن تيمية يقول بقدم فعل الرب وانه لم يزل فعالاً لا ان المخلوق لم يزل مع الله فإن هذا كفر بالله أما نوع المخلوق فقد سبق انه قديم وبينا معنى ذلك.
(¬2) لم يتجاهل ابن تيمية ذلك وإنما قال بدوام فاعلية الرب سبحانه.

الصفحة 168