كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

إلا إذا ما كان ثم موانع ... من آفة أو قاسر الحيوان
والرب ليس لفعله من مانع ... ما شاء كان بقدرة الديان
ومشيئة الرحمن لازمة له ... وكذاك قدرة ربنا الرحمن
الشرح
وممن نص على دوام فاعلية الرب، وأنه لم يعطل عنها في وقت من الأوقات - الإمام الكبير عثمان بن سعيد الدارمي - المشهور في رده على الجهمية والقدرية، وقد قال في هذا كلاماً جيداً وأدلى بحجة قوية، مبناها على أن الفعل لازم للحياة، فكل حي لابد أن يكون فعالا، وما ليس بفعال فهو ليس بحي، فالحياة والفعل متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر في الوجود، اللهم إلا إذا وجد مانع يمنع لحي من الفعل من آفة تصيبه أو قاسر يقسره، وذلك لا يتصور في حقه سبحانه فإن حياته أكمل حياة فيجب أن تستلزم أكمل الأفعال ويستحيل أن تطرأ عليه آفة يعجز معها عن الفعل بل ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فالمشيئة لازمة له لا مكره له ولا غالب، والقدرة كذلك من صفاته اللازمة فلا يعتريه وهن ولا عجز ولا قصور، ومع نفوذ المشيئة وتمام القدرة وانتفاء كل الموانع التي تمنع من تعلقها بالممكن لا يتصور التعطيل عن الفعل، فثبت أنه سبحانه لم يزل فعالاً لأنه لم يزل حياً قادراً مريداً.
*****
هذا وقد فطر الإله عباده ... إن المهيمن دائم (¬1) الإحسان
أو لست تسمع قول كل موحد ... يا دائم المعروف والسلطان
¬_________
(¬1) والدوام يقتضي التسلسل في الأزل والأبد.

الصفحة 240