كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث
فما الذي صيره ممكناً مع أنه لم يتجدد في ذاته شيء يقتضي هذا الانقلاب من الامتناع إلى الإمكان، وهذا الإلزام لا مخلص لهم منه فإن أجابوا عنه بأن نفس الأزل هو المانع من التأثير في الممكن لأن من شرائط التأثير فيه أن يكون مسبوقاً بالعدم قلنا سبق العدم أمر عدمي يصلح أن يكون شرطاً للتأثير، ولكن الذي يصلح شرطاً هو الإمكان والإمكان ثابت في الأزل فثبت أن الرب سبحانه لم يكن معطلاً عن فعله في وقت من الأوقات بل كل يوم هو في شأن يدبر ما يشاء ويحدث من الأمور ما تقتضيه حكمته - ويقال لهؤلاء أيضاً أليس الأمر والتكوين من صفات الكمال بدليل أن المتصف بهما أكمل من الفاقد لهما، وحينئذ فالله لم يزل آمراً مكوناً والأمر والتكوين هما الموجب التام للتأثير وهو مستلزم لوجود الأثر لأن تخلف الآثر بعد تمام علته الموجبة له محال غير ممكن، ويقال لهم كذلك أن الله لم يزل قادراً مريداً عالماً حياً وهذه الأربعة صفات ذاتية له، وليس يحتاج الفاعل في كونه فاعلاً إلى غير هذه الأربع فهي التي بها تمام الفعل لأنها أركانه التي لا يتحقق بدونها، وإذا كان ذلك فلماذا تأخر فعله سبحانه عن وجود الموجب التام لجميع أركانه، فإن قلتم: تأخر الفعل لأنه كان ممتنعاً في الأزل، قلنا: كذبتم بل لم يزل لأن الممتنع لا ينقلب ممكناً
*****
والله عاب المشركين بأنهم ... عبدوا الحجارة في رضا الشيطان
ونعى عليهم كونها ليست ... بخالقة وليست ذات نطق بيان
فأبان أن الفعل والتكليم من ... أوثانهم لا شك مفقودان
وإذا هما فقدا فما مسلوبها ... بإله حق وهو ذو بطلان
والله فهو إله حق دائماً ... أفعنه ذا الوصفان مسلوبان
الصفحة 243
280