كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

وأما أبو على الجبائي المعتزلي شيخ الجبائية وولده أبو الحسن الأشعري وتلميذه أبو بكر الباقلاني وجميع أهل الكلام الباطل المذموم ففرقوا بينهما فذهبوا إلى جوازه في جانب المستقبل وبامتناعه في جانب الأزل وكانت شبهتهم في ذلك أن الدليل القطعي قد قام على حدوث العالم بجميع أجزائه والقول بتسلسل الحوادث في جانب الأزل بلا بداية معناه القول بقدم العالم، والقدم والحدوث نقيضان لا يجتمعان لهذا منعوا دوام الفعل في الماضي لما يلزمه من قدم المفعول، وأما دوام الفعل في المستقبل وتسلسه إلى غير نهاية، فهذا لا محذور فيه ولا يقتضي الدليل إنكاره، فالعقل يجيز أن يكون بعد كل حادث حادث دون انقطاع في جانب الأبد.
ومن شبههم أيضاً أنه إذا كان كل فرد من أفراد الفعل حادثاً، فكيف يكون نوعه قديماً مع أن النوع ليس إلا مجموعة الأفراد، فإذا كان كل فرد حادثاً مسبوقاً بالعدم، كان الكل كذلك، إذ لا تصح أن توصف الجملة بحكم غير حكم الأفراد، فإذا قلت مثلاً كل زنجي أسود، كان الكل أسود بالضرورة، راجع كتابنا ابن تيمية السلفي في مبحث قيام الحوادث بذاته تعالى.
*****
فانظر إلى التلبيس في ذا الفرق ... ترويجاً على العوران والعميان
ما قال ذو عقل بأن الفرد ذو ... أزل لذي ذهن ولا أعيان
بل كل فرد فهو مسبوق ... بفرد قبله أبداً بلا حسبان
ونظير هذا كل فرد فهو ... ملحوق بفرد بعده حكمان
النوع والآحاد مسبوق ... وملحوق وكل فهو منها فان
والنوع لا يفني أخيراً فهو ... لا يفني كذلك أولاً ببيان

الصفحة 255