كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

وتعاقب الآنات أمر ثابت ... في الذهن وهو كذاك في الأعيان
الشرح
هذا رد لتلك الشبهة التي بنى عليها الأشعري وموافقوه الفرق بين الدوام في جانب الأزل وبين الدوام في جانب المستقبل، وملخص الدفع أن هذه التفرقة مغالطة وتلبيس لا يروح إلا على السذج البسطاء من الجهلة وأنصاف العلماء، إذ لم يقل أحد من العقلاء الذين ذهبوا إلى دوام فاعلية الرب تعالى وتسلسل أفعاله ماضياً ومستقبلاً أن شيئاً من أعيان المخلوقات وأفرداها قديم، لا ذهنا ولا خارجاً، بل قالوا أن كل فرد منها فهو مسبوق بفرد قلبه إلى غير بداية يمكن أن يحضرها العد والحساب، مع قولهم بأن كل فرد منها حادث. ونظير هذا قولهم أن كل فرد فهو ملحوق بفرد آخر يجيء بعده بلا نهاية، كذلك فالآحاد كلها لها ابتداء وانتهاء، سواء في ذلك السابق منها واللاحق، وأما النوع فهو مستمر أزلاً وأبداً بلا ابتداء ولا انتهاء. وقس ذلك على آنات الزمان، وهي أجزاؤه، فإنها تتعاقب في الوجود شيئاً بعد شيء لا إلى نهاية مع امتدادها كذلك في جانب الأزل بلا بداية، فليست تبتدىء من آن هو أول الآنات. ولا تنتهي إلى آن هو آخرها، مع أن كل آن منها له بداية وانتهاء، لأنه واقع بين آنين، فكل آن منها يبتدىء من نهاية الآن الذي قبله بابتداء الذي بعده ومع ذلك فجمله الآنات لا أول لها ولا آخر لا في الذهن ولا في الخارج. فكل فرد من أفراد المخلوقات حادث موجود بعد أن لم يكن.
وأما النوع الذي هو من لوازم الكمال لأنه وصفه تعالى فلا مبتدأ له ولا منتهى، بل لم يزل الله فعالاً لما يريد، لأنه لا يمكن أن يكون في وقت من الأوقات فاقداً لشيء من الكمال.
*****

الصفحة 256