كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث
الشرح
أفبعد هذا البيان الذي دل على وجود مخلوقات قبل هذا العالم ووجود زمان قبل هذا الزمان يصح أن يقال أن رب العرش قبل وجود هذا العالم كان عاجزاً عن الفعل والإيجاد، فيما لم يزل، أم الحق هو عكس ذلك تماماً، وهو أنه سبحانه لم يزل قادراً على إيجاد الفعل والفعل لم يزل مقدوراً له ممكناً.
فلئن سأل سائل عما حدا بهؤلاء الخصوم إلى المنازعة في تلك القضية التي تتألق وضوحاً وتبياناً، ولماذا لم يقولوا بما قال به السلف من أنه سبحانه دائم الإحسان وقديمه، فإنا نقول له: أن هؤلاء المخذولين اغتروا بعقولهم الفاسدة وبما أصلته لهم من أصول باطلة، فعموا بسبب ذلك عن كل ما يصلح أن يكون حجة ودليلا عموا عن القرآن والحديث، وعموا عن الفطرة الإنسانية وعما يقتضيه العقل السليم والنظر الصحيح، لقد أسسوا لهم أصلاً في الكلام وبنوا عليه جميع قواعدهم، فقادهم هذا الأصل الفاسد رغماً عنهم إلى التعطيل والإنكار وهذا الأصل هو:
****
نفي القيام لكل أمر حادث ... بالرب خوف تسلسل الأعيان
فيسد ذاك عليهم في زعمهم ... إثبات صانع هذه الأكوان
إذ أثبتوا بكون ذي الإجساد حادثة ****فلا تنفك عن حدثان
فإذا تسلسلت الحوادث لم يكن ... لحدوثها إذ ذاك من برهان
فلأجل ذا قالوا التسلسل باطل ****والجسم لا يخلو عن الحدثان
فيصح حينئذ حدوث الجسم من ... هذا الدليل بواضح البرهان
هذى نهايات لإقدام الورى ... في ذا المقام الضيق الأعطان
الصفحة 261
280