كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث
رفعت قواعده وتحت أساسه ... فهوى البناء وخر للأركان
وجنوا على الإسلام كل جناية ... إذ سلطوا الأعداء بالعدوان
الشرح
بعد أن أورد المؤلف الأصل الذي بني عليه أهل الكلام قواعدهم الفاسدة في منع قيام الحوادث بذاته تعالى، وزعمهم أن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث واتخاذهم من هذه القضية الكاذبة التي يزعمون أن عقولهم قد اجتمعت على صحتها أساساً لنفي صفات الفعل والصفات الاختيارية التى تحدث في ذاته تعالى بمشيئته وقدرته أراد بعد ذلك أن يبين فساد هذا الدليل الي تشبثوا به فذكر أن هذا الدليل هو الذي أوقعهم في الهلكة وأضلهم عن سواء السبيل كما أنه قد هدم كل ما جاء به القرآن الحكيم من قواعد الإيمان فقد وصف الله نفسه في كتبه بأنه كلم موسى عند مجيئه للميقات وناداه من جانب الطور الأيمن وأنه استوى على عرشه بعد خلق السموات والأرض، وأنه ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وأنه سيأتي ويجيء يوم القيامة وأنه يحب المؤمنين ويرضى عنهم ويبغض الكافرين ويغضب عليهم، وأنه يفرح بتوبة عبده التائب وأنه يسمع أصوات عباده حين تحدث ويرى حركاتهم وأعمالهم إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى كثرة والتي تدل أقوى دلالة على حدوث هذه الأفعال في ذاته تعالى بمشيئته وقدرته، فكيف إذاً يصح قول هؤلاء الجاهلين أن ما لم يخلو من الحوادث فهو حادث دون أن يفرقوا بين جنس الحوادث وأعيانها، فالممنوع هو قيام أشخاص الحوادث بذاته بمعنى أن يكون لها ابتداء في ذاته، أما قيام أجناس الحوادث وحدوث آحادها في ذاته شيئاً بعد شيء وفي وقت دون آخر بمعنى أنه
الصفحة 263
280