كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، والصلاة والسلام على معلم البشرية كل خير وهدى نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... . وبعد:
فإن الله تعالى برحمته التي وسعت كل شيء قد يسر القرآن للذكر، وأغنى بالوحي عن وساوس القلوب وأوهام الفكر، وجعل هذه الأمة أكمل الأمم عقولاً وأعمقها إيماناً، فهم الآخرون زماناً السابقون فضلاً وإحساناً، أمة أمية لم تكن تحسب ولا تكتب ولكنها أصح الأمم حساباً (¬1) وأحفظها كتاباً، تنال المطالب العالية بالوسائل العادية بل تمشي رويداً وتجيء في الأول، عجائزها في البادية تفقه من حقائق الوجود ما تقاصرت عنه أكابر العقول في الفلسفات كلها، الآيات الجلية في متناول يديها بلا عناء والبراهين العقلية تجري على ألسنتها بلا كلفة، منطقها في نفس لغتها، وتفكيرها بنفس قلوبها، فلا محادة بين القلب والفكر ولا مناكرة بين العقل والنقل.

هذا ما وهبها الله واختصها به، ولكن سبق القلم باقتفائها آثار من سبقها من الأمم فأبت طائفة منها إلا عبور المضايق الدقيقة وركوب اللجج العميقة بلا
¬_________
(¬1) يعرف هذا من يقارن اضطراب الأمم النصرانية في أعيادها ومواسم عبادتها وثبات هذه الأمة وقل اختلافها ورجوعه غالباً إلى اختلاف المطالع وهذا ثابت حساً وشرعاً، وبهذه المناسبة نقول ليت الساعين لإزالة اختلاف الأمة في هذه الفروع العملية القابلة للاختلاف يصرفونه إلى إزالة الاختلاف في العقيدة والولاء وإلى الدعوة إلى الاجتماع على تحكيم الكتاب والسنة.

الصفحة 5