كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

دليل معصوم ولا اهتداء بالنجوم، وإنما اعتمدوا فيما يزعمون على عقولهم المجردة، فتاهوا وضاعوا ولم يجدوا هناك إلا حطام من تاه قبلهم وضاع من مغامري الأمم المحرومة من نور الوحي، وخيرهم من عاد إلى الشاطىء كسير الفؤاد حسير النظر ورضي بالتسول مع العجائز المعدمات على أبواب أهل اليقين والثبات.
إن هؤلاء - وبدون إتهام لمقاصدهم وتنقيص لعقولهم - لم يفقهوا أن النظر العقلي كالنظر البصري له حدوده التي لا يتجاوزها مهما تطورت وسائله واتسعت آفاقه.
الا ترى أن أكبر مرصد فلكي في العالم ينقلب خاسئاً وهو حسير إذا تعمق في أبعاد الكون، كما كان ينقلب طرف العربي قبل أربعة عشر قرناً حين يقلبه في السماء مجرداً من كل آلة.
ألا ترى أن حقائق الرياضيات التي تقطع الأمل في اجتياز حدود العقل البشري لم تتغير في جوهرها منذ " أرخميدس " حتى الآن، وإن تغيرت الوسائل وتطورت النظريات، والفرق أن " أرخميدس " كان يعد الأشياء بعدد ذرات الرمل أما العلم الحديث فيقيسها بذرات الكون بل بمحتوى الذرة، ويستخدم أرقاماً خيالية لا يمكن تسميتها ولا كتابتها فيقول مثلاً: إنك لو افترضت رقماً هو عبارة عن واحد وعلى يمينه من الأصفار ما لو جعلت الأرض ورقة واحدة لوصل خط الأصفار إلى نهايتها بل لو ضاعفت الورقة مليارات الأضعاف ثم قارنت هذا الرقم باللانهاية لكانت نسبته هو والرقم (واحد)

الصفحة 6