كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

بقوله: {بلى وهو الخلاق العليم} [يس:81] فأخبر أنه قادر على نفس فعله، وهو أن يخلق، فنفس أن يخلق فعل له، وهو قادر عليه.
ومن يقول لا فعل له، وأن الفعل هو عين المفعول، يقول: لا يقدر على فعل يقوم به البته ‍بل لا يقدر إلا على المفعول المباين له الحادث بغير فعل منه سبحانه وهذا أبلغ في الإحالة من حدوثه بغير قدرة، بل هو في الإحالة كحدوثه بغير فاعل، فإن المفعول يدل على قدرة الفاعل باللزوم العقلي؛ ويدل على فعله الذي وجد به بالتضمن، فإذا سلبت دلالته التضمنية، كان سلب دلالته اللزومية أسهل، ودلالة المفعول على فاعله وفعله دلالة واحدة وهي أظهر بكثير من دلالته على قدرته وإرادته.
وذكر قدرة الرب سبحانه على أفعاله وتكوينه في القرآن كثير كقوله {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم} [الأنعام:65] "فأن يبعث "هو نفس فعله، والعذاب هو مفعوله المباين له وكذلك قوله {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} [القيامة: 65] فإحياء الموتى نفس فعله، وحياتهم مفعوله المباين له وكلاهما مقدور له، وقال تعالى {بلى قادرين على أن نسوي بنانه} [القيامة:4] فتسوية البنان فعله، واستواؤها مفعوله.
ومنكرو الأفعال يقولون: إن الرب سبحانه يقدر على المفعولات المباينة له ولا يقدر على فعل يقوم بنفسه لا لازم ولا متعد وأهل السنة يقولون: الرب سبحانه يقدر على هذا وعلى هذا وهو سبحانه له الخلق والأمر، فالجهمية أنكرت خلقه وأمره وقالوا: خلقه نفس مخلوقه وأمره مخلوق من مخلوقاته فلا خلق ولا أمر ومن أثبت له الكلام القائم بذاته ونفى أن يكون به فعل، فقد أثبت الأمر دون الخلق

الصفحة 72