كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

العلاف ونحوهما قالوا: لأن الدليل قد دل على أن دوام الحوادث ممتنع، وأنه يجب أن يكون للحوادث مبدأ لامتناع حوادث لا أول لها، كما قد بسط في غير هذا الموضع.
قالوا: فإذا كان الأمر كذلك، وجب أن يكون كل ما تقارنه الحوادث محدثاً، فيمتنع أن يكون البارىء لم يزل فاعلاً متكلماً بمشيئته وقدرته، بل يمتنع أن يكون لم يزل قادراً على ذلك، لأن القدرة على الممتنع ممتنعة، فيمتنع أن يكون قادراً على دوام الفعل والكلام بمشيئته وقدرته.
قالوا: وبهذا يُعلم حدوث الجسم، لأن الجسم لا يخلو عن الحوادث، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث.
ولم يفرق هؤلاء بين مالا يخلو عن نوع الحوادث، وبين ما لا يخلو عن عين الحوادث، ولا فرقوا فيما لا يخلو عن الحوادث، بين أن يكون مفعولاً معلولاً، أو أن يكون فاعلاً واجباً بنفسه.
فقال لهؤلاء أئمة الفلاسفة وأئمة [أهل] الملل وغيرهم: فهذا الدليل الذي أثبتم به حدوث العالم هو يدل على امتناع حدوث العالم وكان ما ذكرتموه إنما يدل على نقيض ما قصدتموه.
وذلك لأن الحادث إذا حدث بعد أن لم يكن محدثاً، فلابد أن يكون ممكناً، والإمكان ليس له وقت محدود، فما من وقت يقدر إلا والإمكان ثابت قبله، فليس لإمكان الفعل وجواز ذلك وصحته مبدأ ينتهي إليه، فيجب أنه لم يزل الفعل ممكناً جائزاً صحيحاً، فيلزم أنه لم يزل الرب قادراً عليه، فيلزم جواز حوادث لا نهاية لأولها.

الصفحة 81