كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث

فهو قادر مختار يوجب بمشيئته ما شاء وجوده.
وبهذا التحرير يزول الإشكال في هذه المسألة، فإن الموجب بذاته إذا كان أزلياً يقارنه موجبه. فلو كان الرب تعالى موجباً بذاته [للعالم] في الأزل، [لكان كل ما في العالم مقارناً له في الأزل] ، وذلك ممتنع. بل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فكل ما شاء الله وجوده من العالم فإنه يجب وجوده بقدرته ومشيئته، وما لم يشأ يمتنع وجوده، إذ لا يكون شيء إلا بقدرته ومشيئته، ـ وهذا يقتضي وجوب وجود ما شاء تعالى وجوده.
ولفظ الموجب بالذات فيه إجمال، فإن أريد به أنه يوجب ما يحدثه بمشيئته وقدرته، فلا منافاة بين كونه فاعلاً بالقدرة والاختيار، وبين كونه موجباً بالذات بهذا التفسير. وإن أريد بالموجب بالذات أنه يوجب شيئاً من الأشياء بذات مجردة عن القدرة والاختيار، فهذا باطل ممتنع وإن أريد أنه علة تامة أزلية تستلزم معلولها الأزلي، بحيث يكون من العالم ما هو قديم بقدمه، لازم لذاته، أزلاً وأبداً - الفلك أو غيره - فهذا أيضاً باطل.
فالموجب بالذات إذا فسر بما يقتضي قدم شيء من العالم مع الله، أو فسر بما يقتضي سلب صفات الكمال عن الله، فهو باطل. وإن فسر بما يقتضي أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن فهو حق. فإن ما شاء وجوده فقد وجب وجوده بقدرته ومشيئته، لكن لا يقتضى هذا أنه شاء شيئاً من المخلوقات بعينه في الأزل، بل مشيئته لشيء معين في الأزل ممتنع لوجوده متعددة.
ولهذا كان عامة العقلاء على أن الأزلي لا يكون مراداً مقدوراً، ولا أعلم نزاعاً بين النظار أن ما كان من صفات الرب أزلياً لازماً لذاته لا يتأخر منه شيء لا

الصفحة 86