كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ كَانَ شَأْنُكُمْ هَذَا فَلَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي صَدَرَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَشُورَةِ وَالْإِرْشَادِ دُونَ الْإِلْزَامِ وَالْإِيجَابِ، وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا غَيْرُ قَادِحٍ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَلَالَةِ النَّهْيِ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ بِلَفْظِ النَّهْيِ وَعُمُومِهِ دُونَ السَّبَبِ، فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: إِنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ تُكْرَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ فِيهِ
دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كَانَ مَأْذُونًا فِيهِ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ إِحَاطَةُ عِلْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ، وَمَا لَمْ يُثْبِتُوا ذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ لَكُمُ ادِّعَاءُ النَّسْخِ إِذِ الْمَنْسُوخُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا.
يُقَالُ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ: إِنَّ أَكْثَرَ الْمُحَقِّقِينَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ: كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا، وَكَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ، وَأَنَّ ذِكْرَ الصَّحَابِيِّ نَحْوَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الْحُجَّةِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا عَلِمَهُ رَسُولُ اللَّهِ وَسَكَتَ عَنْهُ، دُونَ مَا لَمْ يُبَلِّغْهُ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، ثُمَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، حَيْثُ قَالَ: لَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْأَرْضَ تُكْرَى، قَالَ: ثُمَّ خَشِيَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ مَا كَانَ يَذْهَبُ إِلَيْهِ مِنَ الْجَوَازِ كَانَ مُسْتَنِدًا إِلَى إِذْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا كَانَ يَتَوَقَّفُ فِي ذَلِكَ.
ذِكْرُ خَبَرٍ يُصَرِّحُ بِالْإِذْنِ وَالنَّهْيِ بَعْدَهُ
أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْقَاسِمِ الصَّيْدَلَانِيُّ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْمُزَكِّيُّ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعْدٍ، وَإِسْحَاقُ، قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَهُوَ ابْنُ رَفِيعٍ - عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَعَجَزَ عَنْهَا أَنْ يَزْرَعَهَا، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ:

الصفحة 173