كتاب إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات
سُبْحَانَهُ فَقَالُوا حِينَئِذٍ {سُبْحَانَكَ لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا} فَهَذَا وهم أَحَق الْخلق بِالْعلمِ والكشف للغائبات فَإِنَّهُم أنوار وعقول بِلَا شهوات حاجبة وَلَا أهواء غالبة وَلذَلِك ذمّ الله الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ بابتغاء تَأْوِيل الْمُتَشَابه ومدح الراسخين بالإعتراف بِالْعَجزِ كَمَا هُوَ مَعْرُوف عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي أمالي السَّيِّد الامام أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي نهج البلاغة على مَا سَيَأْتِي تَقْرِيره وَالْحجّة عَلَيْهِ وذم الْيَهُود على تعَاطِي مَا لم يعلمُوا فَقَالَ تَعَالَى {هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ حاججتم فِيمَا لكم بِهِ علم فَلم تحاجون فِيمَا لَيْسَ لكم بِهِ علم}
وَمن ذَلِك أَن الله تَعَالَى أرى رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُسْلِمين يَوْم بدر الْكثير من الْمُشْركين قَلِيلا فِي الْمَنَام ثمَّ فِي الْيَقَظَة للْمصْلحَة وَاخْتلف لمن الضَّمِير فِي قَوْله تَعَالَى {يرونهم مثليهم رَأْي الْعين} وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي السَّاعَة {أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بِمَا تسْعَى} أَي أُخْفِي علمهَا الْجملِي وَأما تعْيين وَقتهَا فقد أخفاه من الْخلق كَمَا قَالَ {ثقلت فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَا تَأْتيكُمْ إِلَّا بَغْتَة} وَكفى بذلك حجَّة صادعة على أَن الْمصلحَة لِلْخلقِ قد تعلق بِجَهْل بعض الْعُلُوم وَمِمَّا يُوضح ذَلِك قَول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام {ولأبين لكم بعض الَّذِي تختلفون فِيهِ} كَمَا ذكر فِي الْكَشَّاف وَلِأَن حِكْمَة الله وَحكمه الَّذِي لَا يغالب قد يَقْتَضِي ذَلِك عُمُوما كَمَا اقْتَضَت كتم الْآجَال على الاكثرين
وَجَاء فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أول رُؤْيا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ أصبت بَعْضًا وأخطأت بَعْضًا فَسَأَلَهُ بَيَان مَا أصَاب فِيهِ وَمَا أَخطَأ فَأبى عَلَيْهِ فَقَالَ أَقْسَمت عَلَيْك الا مَا أَخْبَرتنِي فَقَالَ لَا تقسم فَهَذَا مَعَ اكرامه لَهُ وانه على خلق عَظِيم كَمَا قَالَ الله تَعَالَى فلولا أَن الْجَهْل بِبَعْض الْأُمُور قد يكون راجحا أَو وَاجِبا لما تخلف
الصفحة 12
437