كتاب أدلة تحريم حلق اللحية

الاختيارية لا تقع إلا عن قصد من العامل هو سبب وجودها وعملها، ثم يكون قوله: "وإنما لكل أمرئ ما نوى" إخبارا عن حكم الشرع، وهو أن حظ العامل من عمله بنيته فإن كانت صالحة فله أجره، وإن كانت فاسدة فعمله فاسد فعليه وزره.
بل في الحديث ما يدل على خطورتها أيضا، وهو قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك "فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ».
فهذا مثل من الأمثال والأعمال التي صورتها في الخارج واحدة ويشترك فيها المؤمنون والمنافقون، ويختلف صلاحها وفسادها باختلاف النيات، فهل يستقيم أن يستنبط إنسان من هذا ذم الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام اعتمادا على صدق النية، ألا يكون تخاذله عن هذه الهجرة من باب أولى أعظم دليل على فساد قلبه وسوء نيته؟! مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، "أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ "".
وما قيمة هذه النية المزعومة إذا لم ينبثق عنها امتثال الأوامر واجتناب المناهي ونظير ذلك نصوص كثيرة تربط بين كافة الشرائع الظاهرة وبين النية وتعلق الفلاح على صلاح النية وصلاح العمل. قال مطرف بن عبد الله: صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية.
من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. فقوله صلى الله عليه وسلم "وحسابهم على الله عز وجل يعني أن الشهادتين مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهي أعمال ظاهرة تعصم دم صاحبها وماله في الدنيا إلا بأن يأتي ما يبيح دمه، وأما في الآخرة فحسابه على الله عز وجل فإن كان صادقا أدخله الله بذلك الجنة، وإن كان كاذبا فإنه من

الصفحة 118