كتاب الفرقان في بيان إعجاز القرآن

والمراد أن نيوتن هذا بنى نظرية الجذب التي هي بزعمه تُنَظم سير الكواكب على خيال مظلم حيث لا يستطيع أن يبرهن على ذلك، بل البرهان بخلافه فالسماء أكبر من الأرض ولا تجذبها، فإذا كان يقول: إن الجاذبية بين الأجسام المختلفة تبعاً لكثافتها وطول المسافة الفاصلة بين كل جسم وآخر فيقال: هذا مجرد خيال، وإنما ألْجأه إليه اعتقاد السديم وكواكبه التي انفصلت منه ودورانها ومن ضمنها الأرض فهو يُعَلّل تنظيم دوران هذه الكواكب ولزومها مواضعها في خطوط دورانها يُعلله بالجاذبية، وإذا كان الأصل فاسداً فالفروع أيضاً تكون فاسدة، وسوف يتبين إن شاء الله فساد هذه النظريات من الأصل.
وكيف يُسَلَّم له هذا الخرص؟ ثم إن جاذبية الأرض مُتجهة إلى مركزها الأسفل، ولو كان الأمر كما يزعم نيوتن لصار الجذب بعكس ذلك تماماً حيث يكون تَوَجّه الجذب إلى الجاذب وهو الشمس بزعمهم، كذلك فإنهم يزعمون أن جاذبية الأرض تنقطع حين يرتفع الإنسان بعيداً عنها، وهذا يُبين الحكمة الربانية من إيداع مركز الأرض الأسفل هذه الخاصِّية وأن ذلك لاستقرار ما على الأرض فيها، فلولا أن الله خلق هذه القوة الجاذبة في الأرض لما استقر عليها شيء بل يبقى سطحها وحَيّز الهواء، سواء بحيث يقف الإنسان في الهواء ويخطو في الهواء ولا يُشعر بما يجذبه أسفل منه ولا فوقه ولا من جميع جهاته.

الصفحة 10