كتاب الفرقان في بيان إعجاز القرآن

كل بيضاء شحمة وكل سوداء تمرة، وهو أقل وأحقر أن يلتفتوا إليه، ولو دعاهم إليه داعٍ لم يعوّلوا عليه، لأنهم عرفوا ما من أجله خُلِقوا، وهو ما دعاهم إليه نبيهم الناصح الشفيق الذي أراد لهم السعادة العاجلة والآجلة، فلو عُرض عليهم هذا الذي يُمدحون به ويُنسب إليهم لأنكروه، ولَذموا قائل ذلك ولم يشكروه، وإن سِيَرهم لتهتك أستار هذه الشبهة الضالة الملصقة بهم بأدنى نظر، لكن المنقاد لِغَيّه وهواه ليس عنده مما نقول خبر، فلقد عميت البصائر وحارت الفكر.
لقد كانت والله هِممهم عليّة، ونفوسهم طيبة زكية، عرفوا الدنيا وقدرها بتعريف ربهم ونبيهم فتجافوا عنها وعبروها ولم يعمروها، رأوا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم فالتَمسوا نعيماً لا موت فيه وقد ربحت تجارتهم.
هم الرجال وغبن أن يقال لِمَنْ ... لم يتّصف بمعالي وصْفهم رجلُ
رُفع لهم علم الجنة فشمروا إليه وكثير من المتأخرين وضع لهم علم الشهادة بِنَيْل الدنيا والرئاسة فيمموا إليه.
ولو تبصّر أحدهم ورأى الأخطار في طريقه لبادر إليه الشيطان من الإنس والجان يقول له: أنت تنفع غيرك وتنصح وتفيد وإذا تخليت أنت وأمثالك من ينصح الأمة ويكشف الغمة، وهذا فَخّ كم لإبليس فيه من

الصفحة 456