كتاب الفرقان في بيان إعجاز القرآن

صريع وقتيل والصادق ليس يلابس أهل الباطل ويسير معهم أين ما ساروا بحجة أنه ينصح وينفع، ألا نصح ونفع نفسه أولا والحق فيما قيل:
مواعظ الواعظ لن تقبلا ... حتى يعيها قلبُه أولا
وكما يقال أيضاً: يا أيها الرجل المعلم غيره، وهذه أبيات معروفة مشهورة فالمقصود أن الداعية إلى الحق ليس يخالط المبطلين ويشرك معهم في باطلهم ثم يعتذر بهذه الحجة الداحضة بل هو يكون في هذا الفعل قدوة سيئة يغتر به الناس، ومن أراد الدعوة والنصح تمكن من ذلك، وعلى هذا كان الأنبياء وورثتهم على الحقيقية لا التسمي، والدين ليس بالرأي وأتباع الهوى والمقصود أن العلم في عرف أهل هذا الزمان يشبه طريقة الفلاسفة حيث يجعلون كمال النفس في مجرد العلم، ومجرد العلم ليس بكمال للنفس ما لم تكن مريدة محبة لمن لا سعادة لها إلا بإرادته ومحبته وهو إلهها الحق.
قال ابن القيم رحمه الله في وصف طريق أهل العلم والإيمان: أهل العلم والإيمان الذين عقلوا عن الله أمره ودينه وعرفوا مراده بما أمرهم ونهاهم عنه وهو أن نفس معرفة الله ومحبته وطاعته والتقرب إليه وابتغاء الوسيلة إليه أمر مقصود لذاته وأن الله سبحانه وتعالى يستحقه لذاته وهو سبحانه المحبوب لذاته الذي لا تصلح العبادة والمحبة والذل والخضوع والتألّه إلا له فهو يستحق ذلك لأنه أهل أن يُعبد ولو لم يخلق جنة ولا ناراً

الصفحة 457