كتاب إعجاز القرآن للباقلاني

من فساد النظم، ودخول اللحن فيه، وركاكة التكرار، وقلة البيان، وتأخير المقدم وتقديم المؤخر، إلى غير ذلك من وجوه مطاعنهم.
وذكر جمل مما روى من الحروف
الزائدة، والقراءات المخالفة لمصحف الجماعة، والابانة عن وهاء نقل ذلك وضعفه وأن الحجة لم تقم بشئ منه.
وعرفت ما وصفتموه من كثرة استضرار الضعفاء بتمويههم، وعظم موقع الاستبصار والانتفاع بنقض شبههم.
ونحن بحول الله وعونه نأتى في ذلك بجمل تزيل الريب والشبهة، وتوقف على الواضحة.
ونبدأ بالكلام في نقل القراءات، وقيام الحجة به، ووصف توفر همم الامة على نقله وحياطته، ثم نذكر ابتداء أبى بكر، رضى الله عنه، لجمعه على ما أنزل عليه، بعد تفرقه في المواضع التى كتب فيها، وفى صدور خلق حفظوا جميعه، وخلق لم يحيطوا بحفظ جميعه، واتباع عمر رضى الله عنه والجماعة له على ذلك وصوابه فيما صنعه، وسبقه إلى الفضيلة به، والسبب الموجب لذلك.
ثم نذكر جمع عثمان رضى الله عنه - الناس على مصحف واحد، وحرف زيد بن ثابت، ونبين أنه لم يقصد في ذلك قصد أبى بكر في جمع القرآن في صحيفة واحدة على ترتيب ما أوحى به، إذ كان ذلك أمرا قد استقر وفرغ منه قبل أيامه.
ونبين صواب عثمان رضى الله عنه في جمع الناس على حرف، وحظره ومنعه لما عداه من القراءات، وأن الواجب على كافة الناس اتباعه، وحرام عليهم - بعد - قراءة القرآن بالاحرف والقراءات التى حظرها عثمان ومنع منها، وأن له أخذ المصاحف المخالفة لمصحفه، ومطالبة الناس بها، ومنعهم من نشرها والنظر فيها.
ونذكر ما يتعلق به من ادعاء نقصان القرآن، وتغيير نظمه وتحريفه - من الروايات الشاذة الباطلة، عن عمر وعثمان وعلى وأبى عبد الله بن مسعود، وما يرويه قوم من الرافضة في ذلك عن أهل البيت خاصة.
ونكشف عن تكذب هذه الروايات، ونبين أيضا ما خالف فيه عبد الله بن مسعود عثمان والجماعة، وهل كان ذلك على جهة الحيطة، ونسبته إياهم إلى زيادة فيه أو نقصان منه، أو تغيير لنطمه وما أنزل عليه؟ أو التصويب لما فعلوه، وإن استجاز مع ذلك قراءته والتمسك بحرفه.
ونذكر
ما شجر بينه وبين عثمان رضى الله عنه، ونصف رجوعه إلى مذهب الجماعة
وقال آخر (1) : عَشَوْا ناري فقلتَ: منُون أنتم؟ * فقالوا: الجن، قلت: عموا ظلاما فقلت إلى الطعامِ فقال منهم * زعيم يحسدُ الإنسَ الطعاما (2) ويذكرون لامرئ القيس قصيدة مع عمرو الجنى، وأشعارا لهما، كرهنا نقلها (3) لطولها.
وقال عبيد بن أيوب: / فلله درُّ الغولِ أي رفيقةٍ * لصاحب قفرٍ خائف يتقفّرُ (4) أرنَّت بلحن بعد لحن وأوقدت * حوالى نيرانا تلوح وتزهر (5) وقال ذو الرمة (6) بعد قوله: قد أعسِفُ النازحَ المجهولَ معْسِفُه * في ظل أخضرَ يدعوا هامَهُ البُومُ (7) للجن بالليلِ في حافاتها زَجَلٌ * كما تَنَاوحُ يومَ الريح عَيشُوم (8) دوّية ودُجى ليلٍ كأنهما * يَمٌ تراطنُ في حافاته الرُّوم (9) وقال أيضا: وكم عرست بعد السرى من معرس * به من كلام الجن أصوات سامر (10)
__________
(1) هو شمير بن الحارث الضبى كما في نوادر أبى زيد ص 123.
راجع خزانة الادب 3 / 3 والحيوان 4 / 482، 6 / 197 ومعنى عشوا نارى: رأوها ليلا على بعد فقصدوها مستضيئين بها.
وفى نوادر
أبى زيد: أتوا نارى فقلت منون قالوا سراة الجن ... (2) س: " فقمت إلى " (3) س: " ذكروها " (4) ا، م: " متقفر ".
وفى الحيوان 6 / 165 " متقتر "، وفى منتهى الطلب " يتقتر ".
(5) أرنت: صوتت وفى منتهى الطلب: " تعنت "، وفى س والحيوان 4 / 482، 5 / 123: " تبوخ وتزهر " (6) ديوانه ص 574 والحيوان: 6 / 175 (7) أعسف: أسير على غير هداية.
النازح: البعيد.
والاخضر هنا: الاسود، والمراد به الليل.
وفى الديوان: " أغضف " أي أسود، والهام: ذكر البوم، وأنثاه الصدى.
(8) حافاتها: جوانبها.
زجل: صوت.
عيشوم: من ضروب النبت يتخشخش إذا هبت عليه الريح (9) م: " في حافاتها " والدوية: الفلاة، واليم: البحر.
الدجى: الليل.
والرطانة: كلام العجم والروم وما ليس بعربي من اللغات.
حافاته: جوانبه.
شبه البرية وما تراكم عليها من سواد الليل بالبحر وأمواجه.
(10) ديوانه ص 292 والحيوان 6 / 176 والتعريس: النزول آخر الليل للنوم والاستراحة.
سامر: الذين يتحدثون بالليل.
(*)

الصفحة 40