كتاب إعجاز القرآن للباقلاني

إذ هو صفة لله تعالى، قديم غير مخلوق.
وكذلك نقول: إنه مقروء بألسنتنا، نتلو بها على الحقيقة، لكن نعلم أن زيدا القارئ غير عمرو القارئ، وأن لسان زيد غير لسان عمرو، وأن قراءة زيد غير قراءة عمرو، ولكن المقروء لزيد هو المقروء لعمرو، شئ واحد لا يختلف ولا يتغير، بل هو كلام الله القديم الذى
ليس بمخلوق ولا يجوز عليه صفات الخلق.
وهذا كما قال تعالى: (أنما أنزل بعلم الله) يعلمه زيد بعلمه، ويعلمه عمرو بعلمه، ويعبده زيد بعبادته، ويعبده عمرو بعبادته، ويدعوه زيد بدعائه، ويدعوه عمرو بدعائه، ويذكره زيد بذكره، ويذكره عمرو بذكره، ويسبحه زيد بتسبيحه، ويسبحه عمرو بتسبيحه، فزيد غير عمرو، وذكره غير ذكر عمرو، وعبادته غير عبادة عمرو، ولكن المعبود لهذا هو المعبود لهذا، والمذكور لهذا هو المذكور لهذا، والمسبح لهذا هو المسبح لهذا، والله تعالى هو القديم الواحد الذى ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير ".
وقوله ص 83، 85: " ويحب أن يعلم أن كلام الله تعالى مسموع لنا على الحقيقة، لكن بواسطة، وهو القارئ..ويجب أن يعلم أن كلام الله تعالى منزل على قلب النبي صلى بالله عليه وسلم، نزول إعلام وإفهام، لا نزول حركة وانتقال "، و " أن جبريل عليه السلام علم كلام الله وفهمه، وعلمه الله النظم العربي الذى هو قراءته، وعلم هو القراءة نبينا، صلى الله عليه وسلم، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، ولم يزل ينقل الخلف عن السلف ذلك، إلى أن اتصل بنا فصرنا نقرأ بعد أن لم نكن نقرأ ".
ويستبين من سائر هذه النصوص أن ابن حزم لم يكن أمينا في نقله، ولا صادقا في قوله، وإنما خان أمانة العلم، وكذب فيما ادعاه على الباقلانى والاشاعرة، ليتسنى له تكفيرهم، وسبهم بما يرضى نفسه الظامئة إلى الطعن والسباب.
وقد عرف ذلك عنه، حتى قال فيه ابن العريف: " كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقين " وسجل عليه ذلك المؤرخون له، كابن خلكان، الذى يقول في وفيات الاعيان: " وكان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين، لا يكاد يسلم أحد من لسانه، فنفرت عنه القلوب، واستهدف لفقهاء وقته، فتماثلوا على بغضه، وردوا
لهم تؤدى تلك المعاني ونحوها (1) ، وجعلوها بازاء ما جاء به، وتوصلوا بذلك إلى تكذيبه، وإلى مساواته فيما [حكى و] جاء به.
وكيف وقد قال لهم: (فَلْيَأْتُواْ
بِحَدِيثً مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ) (2) .
فعلى هذا يكون المقصد - بتقديم بعض الكلمات (3) وتأخيرها - إظهار الإعجاز (4) على الطريقين جميعا، دون السجع (5) الذى توهموه.
فإن قال قائل: القرآن مختلط من أوزان كلام العرب، ففيه من جنس خطبهم، ورسائلهم [وشعرهم] وسجعهم، وموزون كلامهم الذي هو غير مقفى، ولكنه أبدع فيه ضرباً من الابداع، لبراعته وفصاحته.
قيل: قد علمنا أن كلامهم ينقسم إلى نظم ونثر، وكلام مقفى غير موزون [وكلام موزون غير مقفى] (6) ، ونظم موزون ليس بمقفى كالخطب والسجع، ونظم مقفى موزون له روي.
/ ومن هذه الأقسام ما هو سجية الأغلب من الناس، فتناوله أقرب، وسلوكه لا يتعذر.
ومنه ما هو أصعب تناولا، كالموزون عند بعضهم، والشعر عند الآخرين (7) .
وكل هذه الوجوه لا تخرج عن أن تقع لهم بأحد أمرين: إما بتعمل وتكلف وتعلم (8) وتصنع، أو باتفاق من الطبع وقذف من النفس على اللسان للحاجة إليه.
ولو كان ذلك مما يجوز اتفاقه من الطبائع، لم ينفك العالم من قوم يتفق ذلك منهم، ويعرض (9) على ألسنتهم، وتجيش به خواطرهم، ولا ينصرف (10) عنه الكل، مع شدة الدواعي إليه.
ولو كان طريقه التعلم لتصنعوه ولتعلموه (11) والمهلة لهم فسيحة، والامد واسع.
__________
(1) س: " وتحويها " (2) سورة الطور: 34
(3) م: " الكلام " (4) إظهار للاعجاز " (5) س: " التسجيع " (6) ما بين المعقوفين ساقط من م (7) س: " أو الشعر عند الآخرين " (8) سقطت هذه الكلمة من م (9) ا: " ويعترض " س " ويتعرض " (10) م: " ولا يتصرف " (11) م: " طريقه التعمل لتصنعوا فيه وتعلموه " (*)

الصفحة 62