كتاب إعجاز القرآن للباقلاني

أو لأنه عبارة عنه، أو لأنه قديم في نفسه؟ " قيل: " لسنا نقول بأن الحروف قديمة، فكيف يصح التركيب على الفاسد؟ ولا نقول أيضاً: إن وجه الاعجاز في نظم القرآن من أجل أنه حكاية عن كلام الله، لأنه لو كان كذلك لكانت التوراة والإنجيل وغيرها من كتب الله عز وجل - معجزات في النظم والتأليف.
وقد بينا أن إعجازها في غير ذلك.
وكذلك يجب أن تكون كل كلمة مفردة معجزة بنفسها ومنفردها.
وقد ثبت خلاف ذلك ".
* * * والفصل الرابع ص 72: عقده لشرح ما بينه من وجوه إعجاز القرآن الثلاثة السابقة، وهى الاخبار عن الغيوب، والانباء عن قصص الاولين وسير المتقدمين وبراعة النظم والتأليف والرصف.
* * * والفصل الخامس ص 76: مقصور على نفى الشعر من القرآن.
وأما الفصل السادس فقد عقده لنفى السجع من القرآن.
وقد استهله بقوله: " ذهب أصحابنا كلهم إلى نفي السجع من القرآن.
وذكره الشيخ أبو الحسن الاشعري في غير موضع من كتبه.
وذهب كثير ممن يخالفهم إلى اثبات السجع في القرآن، وزعموا أن ذلك مما يبين به فضل الكلام، وأنه من الاجناس التى يقع فيها التفاضل في البيان والفصاحة، كالتجنيس والالتفات، وما أشبه ذلك من
الوجوه التى تعرف بها الفصاحة.
وأقوى ما يستدلون به عليه: اتفاق الكل على أن موسى أفضل من هارون، عليهما السلام، ولمكان السجع قيل في موضع: " هارون وموسى " ولما كانت الفواصل في موضع آخر بالواو والنون، قيل: " موسى وهارون " ثم قال الباقلانى: " وهذا الذي يزعمونه غير صحيح.
ولو كان القرآن سجعاً لكان غير خارج عن أساليب كلامهم، ولو كان داخلاً فيها لم يقع بذلك إعجاز.
ولو جاز أن يقولوا: هو سجع معجز، لجاز أن يقولوا: شعر معجز، وكيف والسجع مما كان يألفه الكهان من العرب، ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشعر؟ لأن الكهانة تنافي النبوات، وليس كذلك الشعر.
وقد روي أن النبي
شَيباً) ، (واخْفِضْ لَهما جَنَاحَ الذُلِّ من الرحمةِ) .
ومما يعدونه من البديع " الثشبيه الحسن " كقول امرئ القيس: كأن عيون الوحش حول خبائنا * وأرحلنا الجَزْعَ الذي لم يُثَقَّبِ (1) / وقوله: كأن قلوبَ الطيرِ رطباً ويابساً * لدى وَكْرِها العُنَّابُ والحَشَفُ البالى (2) واستبدعوا تشبيه شيئين بشيئين على حسن تقسيم، ويزعمون أن أحسن ما وجد في هذا للمحدثين (3) قول بشار: كأن مثار النقع فوق رؤوسهم * وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه (4) وقد سبق امرؤ القيس إلى صحة التقسيم في التشبيه، ولم يتمكن بشار إلا من تشبيه إحدى الجملتين بالأخرى، دون صحة التقسيم والتفصيل.
وكذلك عدوا (5) من البديع قول امرئ القيس في أذني الفرس: / وسَامِعَتَان يُعرَف العِتْقُ فيهما * كسامعتي مذعورة وسط ربرب (6)
__________
(1) الصناعتين ص 185 والكامل 741 وفى اللسان 9 / 398: " والجزع: الخرز اليماني "، وهو الذى فيه بياض وسواد.
واحدته جزعة، قال ابن برى، سمى جزعا، لانه مجزع، أي مقطع بألوان مختلفة، أي قطع سواده بياضه " (2) البديع ص 122 وسر الفصاحة 237 وأخبار أبى تمام 17 والصناعتين ص 185، 189 وأسرار البلاغة ص 168 والعمدة 1 / 260 وقال المبرد في الكامل ص 740: " فإن اعترض معترض فقال: فهلا فصل فقال: كأنه رطبا العناب، وكأنه يابسا الحشف؟ قيل له: العربي الفصيح الفطن اللقن يرمى بالقول مفهوما، ويرى ما بعد ذلك من التكرير عيا " (3) م: " ما وجد للمحدثين في نحو هذا " (4) س: " رؤوسنا " م: " ليل تهاوت " والبيت في ديوانه 1 / 318 والصناعيتن ص 189 والعمدة 1 / 260 وأسرار البلاغة ص 151
(5) م: " وكذلك عدوا من البديع قول طرفة بن العبد في أذنى ناقته: مؤللتان يعرف العتق فيهما * كسامعتي شاة بحومل مفرد مذعورة أم فرقد، ومثله قول امرئ القيس في وصف الفرس: وعينان كالماويتين ومحجر * إلى سنبك مثل الصفيح المنصب (6) لم يرد هذا البيت في ديوان امرئ القيس، وورد في ديوان علقمة ص 24.
والسامعتان: الاذنان.
المذعورة: المفزعة، يعنى بقرة الوحش ذعرت فنصبت أذنيها وحددتهما الربرب: جماعة بقر الوحش (*)

الصفحة 72