كتاب إعجاز القرآن للباقلاني

أجود شعره " وهى التى مطلعها: أهلاً بذلكم الخيالِ المقبلِ * * فعل الذي نهواه أو لم يفعل ثم أخذ في نقدها حتى قال في ص 373: " وإنما اقتصرنا على ذكر قصيدة البحتري، لأن الكتاب يفضلونه على أهل دهره، ويقدمونه على من في عصره.
ومنهم من يدّعي له الإعجاز غلواً، ويزعم أنه يناغي النجم في قوله علوا.
فبينا قدر درجته، وموضع رتبته، وحد كلامه.
وهيهات أن يكون المطموع فيه كالمأيوس منه، وأن يكون الليل كالنهار، والباطل كالحق، وكلام رب العالمين ككلام البشر " والحق أن نقد الباقلانى لمعلقة امرئ القيس وقصيدة البحترى، من نماذج النقد الادبى الرائعة، وصوره الرفيعة البارعة، غير أنه شان حسنها، وشاب صفاءها، بتحامله عليهما، وإسرافه في نقد أبياتهما، كقوله في نقد قول امرئ القيس ص 253: ويوم دخلتُ الخِدْرَ خدِرَ عُنَيْزَةٍ * * فقالت: لكَ الويلات إنك مرجلى قوله: " دخلت الخدر خدر عنيزة " ذكره تكريراً لإقامة الوزن، لا فائدة فيه غيره، ولا ملاحة له ولا رونق! وقوله: " فقالت: لك الويلات إنك مرجلي " كلام مؤنث من كلام النساء، نقله من جهته إلى شعره! وليس فيه غير هذا! وكقوله ص 235 في نقد قول البحترى: أهلاً بذلكم الخيالِ المقبلِ * * فعل الذي نهواه أو لم يفعلِ برق سرى في بطنِ وجرة فاهتدت * * بسناه أعناق الركاب الضلل البيت الأول في قوله: " ذلكم الخيال " ثقل روح وتطويل وحشو، وغيره أصلح له.
وأخف منه قول الصَّنَوْبَرِي: أهلاً بذاك الزَّورِ من زَوْرِ * * شمس بدت في فلك الدورِ وعذوبة الشعر تذهب بزيادة حرف أو نقصان حرف، فيصير إلى الكزازة، وتعود ملاحته بذلك ملوحة، وفصاحته عياً، وبراعته تكلفاً، وسلاسته تعسفاً،
وكقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: " إنكم تكثُرُون عندَ الفَزَعِ، وَتقِلُّونَ عند الطَمَعِ " (1) .
وقال آخرون: بل المطابقة أن يشترك معنيان بلفظة واحدة، وإليه ذهب قدامة ابن جعفر الكاتب (2) .
فمن ذلك قول الأفوه الأودي: وأقطعُ الهَوْجَل مستأنسا * بهوجلَ مستأنس عنتريس (3) عنى بالهوجل الأول: الأرض، وبالثاني: الناقة (4) .
ومثله قول زياد الاعجم: ونبئتهم يستنصرون بكاهلٍ * وللؤمِ فيهم كاهلٌ وسنامُ (5) / ومثله قول أبى داود: عهدت لها منزلا داثرا * وآلاً على الماءِ يحمِلْنَ آلا (6) فالآل الأول: أعمدة الخيام تنصب على البئر للسقي، والآل الثاني: السراب (7) .
وليس عنده قول من قال: المطابقة إنما تكون باجتماع الشئ وضده - بشئ.
__________
(1) البديع ص 74 (2) راجع نقد الشعر ص 60 (3) ديوانه ص 16 " بهوجل عيرانة " وسر الفصاحة ص 185 ونقد الشعر 60 والعمدة
1 / 290 والعيرانة كما في اللسان 6 / 301 " الناقة الصلبة، تشبيها بعير الوحش، والالف والنون زائدتان ".
والعنتريس كما في اللسان 8 / 4 " الناقة الصلبة الوثيقة الشديدة الكثيرة اللحم الجواد الجريئة " (4) في اللسان 14 / 214 " الهوجل: المفازة البعيدة التى ليست بها أعلام، والارض التى لا معالم بها.
والهوجل: الناقة السريعة الذاهبة في سيرها، وقيل: هي الناقة التى كأن بها هوجا من سرعتها ".
(5) البديع ص 58 ونقد الشعر 60 وسر الفصاحة ص 184 وفى م وك: " يستنظرون " وفى الاغانى 11 / 171 " أتت بنو يشكر سويد بن أبى كاهل ليهجوا زيادا الاعجم فأبى عليهم، فقال: زياد: * وأنبئتهم يستصرخون ابن كاهل * (6) نقد الشعر ص 60 واللسان 13 / 39 (7) في العمدة 1 / 288 " ... هكذا فسروه منهم قدامة، والذى قال الحذاق: يعنى أعمدة تحمل أعمدة مثلها ذكره أبو حنيفة.
وقوله على الماء: يعنى الماء العد الذى هو المحضر يرجعون إليه بعد تبديهم وانقطاع ماء السماء.
وقد أخبرك الشاعر على القول الاول أنهم يحملون أعمدة الاخبية والبيوت " إعجار القران (*)

الصفحة 81