كتاب إجماع المحدثين

وبناءً على ذلك: فإني لا أُحِلُّ لمن لم يتشرّب قَلْبُه ودمُه وعظامُه الدعوةَ السلفيّةَ، القائمة على نَبْذِ التقليد واعتماد الدليل= أن يقرأ هذا البحث، فإنك لستَ محدِّثًا قومًا بحديثٍ لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. وأي فتنةٍ أعظم من فتنة من يرى التقليدَ هو الدين، ويَعُدُّ اتباعَ الدليل هو البدعة، إذا ما قرأ بحثًا قائمًا على ضدِّ ما يراه؟!
أقول ذلك، لأني في هذا البحث قد ناقشت إحدى مُسَلَّمات التقليد، وسمحتُ لنفسي أن أجعلها مسألةً قابلةً للبحث والعَرْض على الدليل.
فأوصلني هذا النظرُ السلفيُّ إلى نَسْفِ تلك المُسَلَّمة، وبيان أنها خطأٌ محضٌ، ليس لها من الحقّ نصيب!!
فماذا أعمل؟! إذا كان الدليلُ ينقض تلك المُسَلَّمة!!
لقد عانيتُ -أنا قبل غيري- من زعزعة الأدلة لتلك المسلّمة، وكنتُ أعالج من آثار الإلف العلميّ ورسوخِ البدهيّات الوهميّة شدّةً عظيمة، لم أتجاوزها إلا بتوفيق من الله تعالى، حين صَدَقْتُ مع المنهج السلفي في نَبْذِهِ التقليدَ واعتمادِه الدليلَ!
لذلك فإني لن أَعْجَبَ إن عالجَ غيري مثلَ تلك الشِّدّةِ أو أشدّ، بل لن أعجب إن حال الإلف العلميُّ ورسوخُ البدهيّات الوهميّة دون اقتناعه بما جاء في هذا البحث، ولن أعجب -بعد ذلك- إن أنكره وشنّع في إنكاره. لكن ليعلم هذا أنه قد غُلبَ عن منهجه القائم على الدليل، وأنه قد حيل بينه وبين ما يشتهي من السموِّ عن التقليد الأعمى.
أقول هذا كُلَّه، لشدّة ثقتي بصحّة ما توصّلتُ إليه، ولأني لم أترك سبيلاً من سُبُل التحرِّي والتثبّت إلا وسلكته، وكبحتُ نفسي بالحِلم

الصفحة 6