كتاب علوم القرآن الكريم - نور الدين عتر

أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ....
أي استبعد إعادة الله تعالى ذي القدرة العظيمة- الذي خلقه من نطفة والذي خلق السموات والأرض- للأجساد والعظام الرميمة ونسي نفسه، وأن الله خلقه من العدم، وهو أعظم من الحشر الذي استبعده ولهذا قال: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ.
كذلك كانوا يلقون عليه أسئلة اختبار للتثبت من نبوته، كما روي في سبب نزول سورة الكهف أن قريشا سألت اليهود في المدينة عن النبي صلّى الله عليه وسلم، فقالت لهم أحبار اليهود: سلوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ... فنزلت في الإجابة عن الأسئلة الثلاثة سورة الكهف بشأن الفتية أصحاب الكهف وبقصة ذي القرنين، ونزلت آية الإسراء وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (¬1).
وقد جاء مع هذا الجواب التوجيه الرباني للنبي صلّى الله عليه وسلم يعتب عليه أن قال لهم: «أخبركم غدا»، ولم يستثن، أي لم يقل إن شاء الله فأبطأ عليه الوحي خمسة عشر يوما، وشق ذلك على النبي صلّى الله عليه وسلم ونزل عليه الوحي بالإجابات، ونزل قوله تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ، وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً.
وكان المسلمون كذلك يسألون عما يهمهم من أمر دينهم، كالأسئلة عن النفقة: يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (¬2). وعن الأهلّة:
¬__________
كما في لباب النقول ص 607 ولا مانع من أن تكون الواقعة تعددت.
(¬1) تفسير ابن كثير ج 5 ص 111 - 112 و 132 - 133 ولباب النقول ص 491 - 493.
(¬2) أي الفضل والزائد.

الصفحة 31