كتاب محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه

قال ابن عابدين الشامي (م سنة 1258هـ / 1842م) في حاشيته المشهورة رد المحتار:- "كما وقع في زماننا في اتباع عبد الوهاب (؟) الذين خرجوا من نجد، وتغلبوا على الحرمين وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة، لكنهم اعتقدوا أنهم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون استباحوا قتل أهل السنة وقتل علمائهم ... الخ1 ".
أما أحمد زيني دحلان (م سنة 1204هـ / 1886م) فكأنه يتقرب إلى الله بعداء هذه الجماعة، وقد ردد هذا الاتهام مرات عديدة2.
والعالم السلفي المشهور في بلادنا النواب صديق حسن خان (م سنة 1307هـ / 1890م) أيضا لم يصل إلى حكم قاطع في هذه الجماعة، ولذلك توجد بيانات معقدة في كتبه المختلفة3 إلا أن كلامه طيب وأقرب إلى الحقيقة في "اتحاف النبلاء" ولكن مع ذلك فتهمة التكفير4 غير المشروط لم تزل باقية فيه5.
__________
1 رد المختار 3: 309.
2 الدرر السنية ص: 45 , 46، وخلاصة الكلام ص: 229 , 230 , 232.
3 ترجمان وهابية, هداية السائل, موائد العوائد, التاج المكلل وغيرها.
4 إتحاف النبلاء ص: 413.
5 لم يفصل المؤلف - رحمه الله - الكلام في موقف صديق حسن خان - رحمه الله - في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، وإذا أردنا أن نفهم ذلك يجب أن تكون المقدمات التالية على بالنا. 1- عاش صديق حسن خان في مدة بين 1248- 1307 هـ. وفي هذه المدة كانت الدول المحاربة قد استولت على نجد وجميع ملحقاتها، وكانت الدعاية والافتراءات قائمة على قدم وساق في جميع العالم الإسلامي على أهل نجد، حتى كان من الصعب جدا أن يتصدى المرء للدفاع عنها جهارا وعيانا، حتى إن كتاب "صيانة الإنسان لما طبع لأول مرة لم ينشر باسم مؤلفه. 2- كانت القوة الحربية للمجاهدين في الهند قد تشتت في سنة 1246 هـ في معركة بالأكوت أي قبل ولادة صديق حسن خان بسنتين، ولكن سلسلة التعذيب والتشريد والنفي والقتل كانت مستمرة وبكل شدة في المدة التي عاشها صديق حسن رحمه الله. حتى إن كل من رفع يديه في الصلاة أو جهر بآمين كان معرضا لأشد أنواع الأذى لأنه وهابي. 3- كان صديق حسن خان - رحمه الله - قد بلغ رتبة عالية في أمور الدنيا مع منزلته العليا في العلم والتقى، وهذا لم يرق الأعداء المخالفين فكانوا يتربصون به الدوائر يتملقون لدى المستعمرين البريطانيين يتمنون إقصاءه من منصبه، وكانت جريمته التي وشوا بها لدى المستعمرين بأنه ينشر المذهب الوهاب، ي وأنه يريد أن ينظم حركة الجهاد الإسلامي. وما أحسنها من جريمة. ومن هنا نعلم أن صديق حسن خان - رحمه الله - لم يكن في موقف يسطيع أن يدافع عن هذه الدعوة كما تمكن من أتى بعده، فكان الشغل الشاغل لدى صديق حسن خان كغيره من زعماء الموحدين في الهند في ذلك الوقت هو الدفاع عن أرواح الموحدين في الهند وأموالهم وأعراضهم، الذين كانوا يؤخذون بجريمة "الوهابية" يقتلون وينقون ويشردون. ولذلك فالأمر الغالب في كتاباته وكثير من علماء أهل الحديث في ذلك الوقت هو بيان أن الموحدين في الهند ليست لهم صلة مع أهل نجد، وهم كانوا على حق في ذلك، فالموحدون في الهند لم يتعلموا عقيدتهم من أهل نجد ولكنهم تعلموها من الكتاب والسنة فالتقوا مع أهل نجد ومع غيرهم على جادة الحق وصراط الهدى. ولكن مع ذلك لم ينحرف - رحمه الله - عن العدل والإنصاف، بل دافع عن دعوة نجد وأبرزها في كل مناسبة، فقد ألف عدة كتب في تراجم النبغاء من المحدثين والفقهاء والدعاة، وأورد ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كل هذه الكتب وبتفصيل. وأسلوبه في كتاباته أنه يأتي بنقول المخالفين ثم يتبع بنقول من المؤيدين، وهكذا يبين الحق للناظر والبصير. وما ذكره المؤلف - رحمه الله - أن اتهام التكفير والتجارى على قتل النفوس ما زال باقيا في كتابه "إتحاف النبلاء" هو من هذا القبيل، فقد أتى ذلك في كلام محمد بن ناصر الحازمي من رسالته "فتح المنان"، ولكنه سرعان ما اتبع ذلك بكلام الشيخ عبد الله بن عبد الوهاب في الرد على ذلك. وهذا دفاع مجيد وأسلوب حسن في زمن لا يسمع فيه إلا التهم، وإلا فكيف يقال فيمن عين مؤلف "صيانة الإنسان" مشرفا على شئون التعليم في بلاده، وأجاز الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ بأنه لم يعرف الدعوة حق المعرفة. وللدلالة على ما قلنا نورد نماذج من كتابه "إتحاف النبلاء" نفسه مترجما بالعربية. لقد ذكر - رحمه الله - أولا كلاما طويلا من كتاب "فتح المنان"، ثم أتى بعد ذلك فقال: "وكثير من أهل العلم الذين لا يعرفون حاله (يعني الشيخ محمد بن عبد الوهاب) " حق المعرفة، أو يعرفون ولكن غلب عليهم التعصب والهوى يكفرونه ويضللونه بدون حجة أو برهان من كتاب ولا سنة، ويتهمون كل موحد ومتبع بأنه من أتباعه، مع أن الواقع أن دعوته لم تتجاوز حدود اليمن والحجاز، ولا أحدا من علماء الهند من ذلك الوقت إلى هذه الأيام تتلمذ عليهم ولا درس كتبهم، ولا انتشرت مؤلفاته في هذه البلاد. وبعد هذا كله فالزعم بأن الموحدين والمتبعين في هذا البلد من اتباعه أو على عقيدته ظلم واعتداء على الحق والانصاف، وهولاء لا يعرفون أن أحدا من الخلق لم يتعبد بأقواله وأفعاله ولا غيره من العلماء والفقهاء، ولكنهم كلهم متعبدون باتباع القرآن الكريم وسنن الرسول الرحيم سواء خالف أحدا أو وافق." ثم أتي بكلام ابن عابدين الذي مر قريبا في الكتاب وعلق عليه: "وفي هذا الكلام وهم حيث أن اسمه محمد بن عبد الوهاب وليس عبد الوهاب، ومن هنا كان الواجب أن يقال في النسبة إليه "محمدي" لا "وهابي"، وهكذا بين أن كلامه لم يصدر بعد تحري الحقائق وتحقيقها، ثم أورد كلاما طويلا من رسالة الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب التي ألفها لأهل مكة، ورد فيها على التهم والأكاذيب، وعقب عليه بقوله: "ومن هنا تبين ضعف تقرير ابن عابدين، حيث إنه قد اتهم في حياته بهذه التهمة فتبرأ منها وأنكرها، فليس من الإنصاف أن يتهم بأنه أحدث دينا جديدا أو مذهبا غير سديد، وكذلك لا يصح زعم أن كل من نهى عن الشرك والبدعة فهو من اتباعه." إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء والمحدثين ص: 413 وما بعدها. المقصد الثاني في ذكر أكابر المحدثين. فأنت ترى أيها القارئ الكريم بأن هذا كلام في غاية الصحة والإنصاف. ولا نطيل الكلام بذكر نصوص أخرى والله أعلم. (المترجم) .

الصفحة 175