كتاب محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه

اتباع الكتاب والسنة فقط. فلا أرى الرشد والهداية ملكا لجماعة فقهية أو مدرسية1 أو وطنية.
إن الحق ليس ملك يمين نجد ولا الهند اشترته، فإن تعاليم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم واضحة جلية، والذي يتبعها اتباعا صحيحا يفوز بالرشد والفلاح.. وإني حينما أرتب تاريخ هذه الجماعات في نجد أو في الهند، وأبرز معالمهما الدارسة أقصد فقط أن أقدم سيرة مصلحين شهيرين في القرن الثاني عشر والثالث عشر وأتباعهما، ولا أرى أيضا أن هناك مصلحين فقط في هذه القرون. ففي الهند الشاه ولي الله الدهلوي (1114- 1176هـ) ، وفي طرابلس محمد بن على السنوسي (1202هـ - 1787 م) لهما شأن عظيم في التجديد والإصلاح.
قد يقول قائل: أن حركة السيد أحمد كانت صدى لدعوة الشاه ولى الله، ولكن حتى بعد تسليم هذه الفكرة، فإن الطابع الخاص والتفردات الخاصة للسيد أحمد لا تزال باقية. وكذلك جمال الدين الأفغاني، والأمير عبد القادر الجزائري هما موضع حب لجماعة كبيرة- وبحق- في لون آخر من الإصلاح والتجديد.
وكذلك لا أرى أن هاتين الجماعتين في نجد أو في الهند معصومتان عن كل خطأ أو زلل. أما الغلو والتشدد في أهل نجد فحتى الأصدقاء يشكون منهما2، وكل ما أقول إنهما كانتا جماعتين مخلصتين قامتا لله، ولم تألوا جهدا في سبيل إعلاء كلمة الله في حدود المساعي البشرية، فعلينا أن ندرس أعمالهما، أما مجرد الاقتناع بما يسمع، أو بدعاية الأعداء والمشايخ الجهال والمتصوفة، فإنه ليس من شيمة طلاب الحق.
وإني قد اجتنبت- قدر الإمكان- إبداء رأي في الكتاب. وقد حاولت أن أرتب الأحوال والأفكار على أساس من المراجع المعتمدة بما يمكن من البحث والتحقيق.
فإن نجحت فبتوفيق من الله، وإلا فلا يستبعد من طالب حقير أن يقع في بعض
__________
1 أي أنني لا أرى الحق محصورا في تقليد الأئمة الأربعة، ولا في اتباع شيوخ ديوبند أو الأزهر أو الندوة، ولا أرى القيادة وراثة لبيت أو بلد.
2 قصده بالتشدد والغلو تشددهم في التوحيد، وهم في ذلك على حق؛ لأن الإسلام الذي بعث الله به نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم هو أشد الأديان في العقيدة، وأسهلها وأيسرها في الشرائع. ولا يحسن أن يسمى ذلك غلوا وتشددا. (المترجم) .

الصفحة 19