كتاب محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه

كانت قد نسيت- بجهده المتواصل وعمله الدائم، وبلغ رسالة الحق والصدق إلى حيث وصل صوت هذا الرجل المجاهد.
العالم الإسلامي عند ولادة ابن عبد الوهاب
بلغ العالم الإسلامي إلى دركه الأخير في الانحطاط الفكري عند نهاية القرن الثامن الهجري، فقد كانت أبواب الاجتهاد والفكر قد أغلقت منذ زمان، وكان العلماء يتدارسون متون المتأخرين وحواشيهم وكانت الحالة في الناحية العملية أسوأ وأسوأ، ولكن بلغ هذا الانحطاط في بداية القرن الثاني عشر الهجري إلى حد يتأسف منه الكفار، ويتحيرون حينما يقارنون بين حالتهم وحالة المسلمين في عصر الصحابة. قال الكاتب الأمريكي استودارد (lothrop Stoddard) :-
"أما الدين فقد غشيته غاشية سوداء. فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة سجفا من الخرافات وقشورا من الصوفية، وخلت المساجد من أرباب الصلوات، وكثر عدد الأدعياء الجهلاء، وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات، ويوهمون الناس بالباطل والشبهات، ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء، ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور، وغابت عن الناس فضائل القرآن، فصار يشرب الخمر والأفيون في كل مكان، وانتشرت الرذائل، وهتك ستر المحرمات على غير خشية ولا استحياء.
ونال مكة المكرمة والمدينة المنورة ما نال غيرهما من سائر مدن الإسلام، فصار الحج المقدس الذي فرضه الله على من استطاعه ضربا من المستهزءات.
وعلى الجملة، فقد بدل المسلمون غير المسلمين، وهبطوا مهبطا بعيد القرار، فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر، ورأى ما كان يدهى الإسلام لغضب، وأطلق اللعنة على من استحقها من المسلمين كما يلعن المرتدون وعبدة الأوثان1.
__________
1 حاضر العالم الإسلامي (ترجمة عجاج نويهض) ص: 34.

الصفحة 27